تضاربت الآراء بشأن المخرج الذي إعتمد لطيّ صفحة استقالة رئيس الحكومة سعد الحريري الشفهيّة من الرياض، حيث رأت فيه أوساط سياسيّة خطوة اضطرّ «حزب الله» للقيام بها لاحتواء الأزمة، لأنّ بيان الحكومة لم يذكر حقّه في مُقاومة الإحتلال ولا في التصدّي للإرهاب، وحرص على التشديد على عبارات مثل «كل المكوّنات السياسية» و«كافة الأطراف السياسيّة والحزبيّة» وعلى تكرار عدم التدخّل في الشؤون العربيّة وحتى على التذكير بالإلتزام بالقرار 1701، إلخ. في المُقابل، رأت أوساط سياسيّة أخرى في ما حصل إنتصاراً لمحور المُقاومة، لأنّ الحريري تراجع عن الإستقالة التي فُرضت عليه، وبقي على طاولة واحدة مع وزراء «حزب الله»، وأنّ كل ما جاء في بيان الحكومة تعابير لغوية وإنشائيّة كانت موجودة أصلاً وجرى تجميعها من هنا وهناك، بحيث أنّها لا تُقدّم ولا تؤخّر في المُعادلات القائمة، مُذكّرة بأنّ البيان الوحيد الذي يُعترف به قانوناً هو البيان الذي تتلوه الحكومة أمام مجلس النوّاب وتنال على أساسه الثقة وليس أي بيان آخر! وبالتالي وبغضّ النظر عن هذه الآراء المُتضاربة والتي تدخل أساساً في إطار الصراع السياسي وعمليّات شد الحبال وتسجيل النقاط بين هذا الفريق وذاك، الأكيد أنّ صفحة أزمة الإستقالة قد طويت نهائياً. والسؤال الذي فرض نفسه تبعاً لذلك، هو: ماذا بعد؟
بحسب مصدر نيابي إنّ عودة الديناميكيّة إلى إجتماعات مجلس الوزراء ستكون طبيعيّة، وكذلك الأمر بالنسبة إلى قرارات كثيرة كان جرى تعليقها خلال الأسابيع القليلة الماضية، لكنّ المسألة الأساس ستكون مسألة بت وضع العمليّة الانتخابيّة ككل. وأوضح أنّ كل الاتصالات والمشاورات ستتركّز في المرحلة المُقبلة على حسم التحضيرات بالنسبة إلى موعد الانتخابات النيابيّة النهائي، وبالنسبة إلى «سلّة الإصلاحات» المُرافقة لها. وتوقّع المصدر نفسه أن يتم إسقاط كل المواضيع الخلافيّة بشأن الإنتخابات، أي كل من اقتراحات «البطاقة المُمغنطة» و«البطاقة البيومترية» و«التسجيل المُسبق» و«التصويت في مكان السكن»، إلخ، لصالح إقرار إجراء الإنتخابات وفق بطاقة الهوية أو جواز السفر وفي مكان القيد حصراً.
وأضاف المصدر النيابي أنّه مع سُقوط هذه الإقتراحات – في إنتظار أن يتطوّع أحدهم لإعلان ذلك رسمياً، فإنّه لا مُبرّر لأي تأخير إضافي لإجراء العمليّة الإنتخابيّة. لكنّ المصدر نفسه لفت إلى أنّ المادة 42 من القانون المُستحدث للإنتخابات النيابيّة تقول: «تُدعى الهيئات الناخبة بمرسوم يُنشر في الجريدة الرسميّة وتكون المهلة بين تاريخ نشر هذا المرسوم وإجتماع الهيئات الناخبة تسعين يومًا على الأقلّ»، ما يعني أنّه في حال جرت دعوة الهيئات الناخبة اليوم قبل الغد، ونشر المرسوم في الجريدة الرسميّة مطلع الأسبوع المقبل، لا يُمكن من الناحية القانونيّة إجراء الإنتخابات قبل مُنتصف آذار 2018، الأمر الذي أفقد الغاية من تقديم موعد الإنتخابات، ودفع الجميع إلى التسليم بموعد الإنتخابات السابق.
وقال المصدر إنّ تحديد الموعد النهائي للإنتخابات يستوجب – وعلى الرغم ممّا كشفه رئيس مجلس النواب نبيه بري عن توافق على تثبيت موعد الإنتخابات، سلسلة من الإجراءات القانونيّة التي لم تحصل بعد ليُصبح نافذاً، مُشيراً في الوقت عينه إلى أنّ الوزارات المعنيّة لم تقم أيضًا حتى تاريخه بأي حملات توعية للمواطنين اللبنانيّين الذين سيقترعون للمرة الأولى في حياتهم وفق مبدأ «التصويت النسبي» وليس وفق مبدأ «التصويت الأكثري»، وبعضهم لا يعرف كيفيّة الإختيار من بين اللوائح التي لا يُمكن شطب أي إسم منها، أو إضافة أي إسم إليها، في مُقابل حُصولهم على حق «الإسم التفضيلي» ضمن مرشّحي اللائحة نفسها. وأضاف أنّه يجب أيضًا القيام بدورات تدريبيّة للقُضاة وللموظّفين الذين سيتولّون الإشراف مُباشرة على عمليّات الإقتراع والفرز.
وبالنسبة إلى توقّعاته بشأن التحالفات الإنتخابيّة المُقبلة، وما يُحكى عن تبدلات جذريّة في الإصطفافات، رأى المصدر النيابي أنّ الصُورة الضبابيّة في هذا الشأن ستبدأ بالإنحسار تدريجًا في الأيام والأسابيع القليلة المُقبلة، مُشيراً إلى أنّ مُختلف القُوى السياسيّة ستدرس تحالفاتها المُرتقبة وفق النتائج المُتوقّعة منها، مُستخدمة «ميزان الجوهرجي» لقياس واحتساب حصصها. ولفت إلى أنّ الحديث عن تحالف خُماسي يضمّ القوى الخمس الكبرى في الحُكم مُمكن لكنّه غير مفيد في كل الدوائر، لأنّ طبيعة القانون الإنتخابي الجديد ليست في صالح التحالفات الكبرى، ولأنّ الثقل الشعبي للأحزاب الخمسة الكبرى مُتفاوت في الدوائر الإنتخابية المختلفة. ورجّح المصدر أن تكون التحالفات الإنتخابية موضوعيّة، بحيث تختلف بين دائرة وأخرى، تبعًا لمصلحة القوى المتواجدة في كل دائرة.
وختم المصدر النيابي كلامه بالقول إنّ وضع قوى «8 آذار» السابقة أكثر إرتياحاً وجُهوزيّة لخوض المعركة الإنتخابيّة، مُقارنة بقوى «14 آذار» السابقة التي أمامها بضعة أيّام أو أسابيع على الأكثر، لإعادة تثبيت تحالفاتها، وإلا فهي ستدخل الإنتخابات مُشرذمة وحتى بلوائح مُتقابلة! وقال إنّه ما لم نشهد قريباً لقاءات بين رئيس الحكومة من جهة وقادة أحزاب وشخصيّات قوى «14 آذار» من جهة أخرى، فإنّ فرص التحالف الخماسي سترتفع سريعاً.