Site icon IMLebanon

الأيام القادمة … شديدة الخطورة

 

يشهد لبنان عملية استنهاض لأدوات النزاع بين الطوائف والمذاهب والمناطق  وتقاطعاتها الاقليمية والعربية، بالاضافة الى العبور الغامض للعدو الاسرائيلي عبر الأنفاق الجنوبية، ولقد عرف لبنان حقبات طويلة من النزاع، وقادة وشخصيات من صناع العنف والنزاع، ومنهم زعماء ورؤساء ووزراء ونواب وإعلاميون ونخب وعوام من الذين شكلوا معا مجتمع النزاع اللبناني، وأباحوا استخدام كل أشكال العنف المسلح والطائفي والمناطقي والفئوي، الى العنف الاعلامي والتخويني والتعرض للمعتقدات والكرامات ، ويمكن اعتبار صناعة العنف والنزاعات حرفة وطنية جامعة وعابرة للطوائف والمناطق والمكونات، التي تعاقبت على التحكم بالشعب اللبناني عبر القتل والاغتيال والدمار والغوغاء واستدعاء الجيوش الغريبة والمنظمات المسلحة والمليشيات، من أجل إحكام السيطرة على السلطة في لبنان وعلى عمليات اعادة تكوينها وتدمير كل اسباب الانتظام العام في الدولة الضامنة للأمن والاستقرار.
منذ الاستقلال ونحن نحاول  تشكيل مجتمع سياسي وبناء دولة وطنية مستقرة، ولم يكتب لهذه المحاولات النجاح حتى الآن، تجربة رجالات الاستقلال ٤٣ اصطدمت بحرب فلسطين عام ٤٨، ومحاولة الجبهة الاشتراكية الوطنية التي انتخبت الرئيس كميل شمعون في ٥٢ انتهت  مع العدوان الثلاثي على مصر  ٥٦ وثورة ٥٨، ثم محاولة  الرئيس فؤاد شهاب في اقامة دولة وطنية حديثة بمساعدة فرنسية عبر بعثة (ارفد) برئاسة الاب لوبريه، اصطدمت بالانقلاب العسكري ١٩٦١ وانخراط الجيش في السياسة، ثم محاولة الحلف الثلاثي  ١٩٦٨ انتهت بتوقيع اتفاق القاهرة مع منظمة التحرير الفلسطينية ١٩٦٩،الذي شرع العنف والنزاع في لبنان.
بعد الاجتياح الاسرائيلي ٨٢ وخروج الفلسطينيين، وانتخاب واغتيال الرئيس بشير الجميل، تجددت التجربة مع انتخاب الرئيس أمين الجميل بشيء من الاجماع الوطني، وانتهت مع تجدد النزاعات وسقوط اتفاق ١٧ ايار وانشقاق الجيش وحرب الجبل وانتفاضة ٦ شباط 1984، ثم كانت محاولة الانتظام ١٩٨٩ مع اقرار وثيقة الوفاق الوطني «الطائف»، وانتخاب الرئيس رينيه معوض، الذي اغتيل  بعد أسابيع قليلة واعادة تكليف سوريا بإدارة النزاع في لبنان، وتَجدَّد الصراع مع الاحتلال الاسرائيل عبر المقاومة الاسلامية حصرياً وبدعم  من ايران.
بعد انتخابات ٩٢ حاول الرئيس الحريري اعادة بناء ما تهدم وتأسيس مجتمع السلم الأهلي، وانجز تفاهم نيسان الذي شرّع المقاومة على اثر عملية عناقيد الغضب الاسرائيلية ١٩٩٦، وكانت النتيجة  انتخاب الرئيس اميل لحود ١٩٩٨ واقصاء الرئيس الحريري ،العام ٢٠٠٠ دخلنا في محاولة جديدة من  الانتظام العام بعد نداء البطاركة والمطارنة الموارنة والانتخابات النيابية، ثم عملية باريس١ وباريس ٢ التي تم اعتراضها بالتمديد للرئيس لحود ٢٠٠٤ وصدور القرار ١٥٥٩، وعودة الاصطفافات والتهديد والوعيد، والاغتيالات ٢٠٠٤ و٢٠٠٥ وحرب ٢٠٠٦، وما تلاها من  وعزل واقصاء، وتعطيل وشغور طويلين .
الساعات والأيام القادمة بالغة الدقة والغموض  وشديدة الخطورة ولا تحتمل التهور والاجتهادات او التوقعات والرهانات، لأن الواضح الوحيد هو ان المنطقة دخلت في مرحلة انتقالية شديدة الغموض  قد تؤدي الى عمليات جراحية  والى سلطات انتقالية، للتحول من مجتمعات النزاع الى مجتمعات الانتظام ، بعد ان أصبحت نزاعاتنا العمياء تهدد دول الكبار  ومجتمعاتهم المستقرة والمنتظمة ، مما يستدعي منا التعقل والتأمل والتوقف عن التوهم والادعاء بالدفاع عن دولتنا الوطنية واسبابها وأدواتها لاننا لم نعرف الدولة  او السياسة في يوم من الايام.