IMLebanon

وصية الولي الفقيه: دعوهم يتلهّون بلعبة الديموقراطي واتركوا الأمر لي

«شرم برم والناس غافلة والغفلة ع الأفهام قافلة

والكذب لعلع في الحفلة وأغلب السامر مساطيل»

أحمد فؤاد نجم

عليّ أن أعترف بأنني كنت في شبابي اليساري من أكثر الناس حماسة، مع الكثيرين من الذين كانوا يسمّون أنفسهم مثقفين ثوريين، هؤلاء العباقرة الذين كانوا يجلسون في المقاهي وراء عشرات فناجين القهوة المرة، يلوحون بأصابعهم المحروقة بوهج سجائر «الغولواز» وهم يشرحون بثقة مذهلة رؤاهم حول مستقبل البشر والكون والحتميات التاريخية والماديات الدياليكتيكية. حماستي معهم كانت سنة 1979 تدور حول دور الثورة الخمينية في دفع الإسلام السياسي ليصبح الداعم الأول للتقدميين في العالم الثالث، وبالتالي إمكانية دحر الإمبريالية العالمية.

كنا قد وصلنا يومها إلى شفير اليأس من دور الإسلام التقليدي الذي كان يقف سداً في مواجهة الحركات التحررية ذات الطابع اليساري من خلال «تحالف الرجعية مع الإمبريالية»، كما كنا نسمّيها في الأيام الخوالي. سقى الله تلك الأيام حيث كنا نظن أن الواحد منا يملك الحقيقة المطلقة في رأسه الصغير جداً!. كانت أيام اليقينية الجميلة حيث لا حاجة الى البحث والتدقيق، بل مجرد نظريات ينسجها التسلسل المنطقي ذو الطابع السفسطائي، بغض النظر عن صحة الفرضيات التي كنا نبني عليها صروحاً شامخة من الإستنتاجات.

عليّ أن أعترف اليوم بأنني أقل يقيناً بفارق هائل بالمقارنة مع ما كنت عليه سنة 1979.

منظومة ولاية الفقيه لم تتأخر حتى أظهرت وجهها الحقيقي عندما قرر الخميني تصفية حلفائه المدنيين واليساريين والتحرريين والديموقراطيين بشكل عنيف، خلال سنتين من عودته الظافرة إلى طهران. بسرعة غصت السجون بالمعتقلين، وأصبحت محاكم الثورة بقيادة آية الله خلخالي تعمل على مدار الساعة لإصدار الأحكام السريعة المبنية على الشرع، وفرغ السوق من الحبال في سبيل خدمة المشانق، ومن كان عمره طويلاً تمكن من الفرار الى الخارج، ومع ذلك فقد لحق ببعضهم جهاديو الخميني واغتالوهم في مدن العالم.

بالرغم من كل ذلك، بقيت شعارات «الموت لأمريكا» و«المقاومة» وفعل تحويل السفارة الإسرائيلية إلى ممثلية لمنظمة التحرير الفلسطينية تأكل عقولنا، فكنا نتجاهل مظاهر الفاشية الدينية التي انتهجها ذاك النظام، على أساس أنها مجرد محطات عابرة هدفها تنظيف البيت مما قد يعوق ترسيخ قواعد الثورة التي ستكون نواة الثورة العالمية. وبعضنا لام حتى من علقت رقابهم وتمرجحت أجسادهم على المشانق، لأنهم لم يعطوا الخميني فرصة لكي يثبت أنه التقدمي الإسلامي الأول الذي سيسلم السلطة للشعب ولفقرائه ولعماله ولفلاحيه!.

تغاضينا حتى عن صفقات الأسلحة الإسرائيلية التي وصلت تحت أنظار المخابرات الأميركية إلى إيران أثناء الحرب مع العراق، ولام بعضنا صدام حسين لأنه عادى الثورة الإيرانية بدل أن يتحالف معها في سبيل هزيمة إسرائيل والإمبريالية.

كان زمان البراءة الغبية، وعلينا اليوم الإعتراف بأننا بتجاهلنا لكل ذلك عندما كان الوحش طفلاً، ساهمنا في تغذيته ليصبح اليوم ما هو عليه من استكبار وتجبر.

ما لنا ولكل ذلك! فالحدث اليوم هو الإنتخابات الرئاسية الإيرانية، ذاك الوهم الديموقراطي الذي أتقن نسجه الولي الفقية، فأداره وأدار نتائجه مدراء المشروع من خلال إقناع الناس بأنهم قادرون على التغيير من خلال صناديق الإقتراع، في حين أن كل المتنافسين على الرئاسة هم من المشمولين برعاية وكيل «صاحب الزمان»، المرشد الأعلى للجمهورية الإيرانية.

لقد تمكن النظام من وضع الضوابط الصارمة لمنع تفلت «الفوضى الديموقراطية» من حدود قواعد اللعبة التي تحصر القرارات المصيرية في الرأس الحقيقي للمنظومة، التي تمددت لتصبح اليوم امبراطورية إقليمية تملك جيشاً جراراً من المتطوعين الأجانب، المستعدين للموت فداءً لإرادة القائد، وأتباع القائد، ووكلاء القائد، أملاً في تقريب عودة صاحب الزمان ليحكم الأرض والعباد بالعدل والقسطاس.

لكن الأساس هو استقرار الداخل الإيراني بناءً على الدستور وتعديلاته التي فرضها الخميني في سبيل تأبيد منظومته في السلطة. هذه السيطرة يساهم في تأمينها «مصلحة تشخيص النظام» على المستوى الاداري، والحرس الثوري «الباسدران» والميليشيات المدنية المعروفة بـ «الباسيدج»، والذي يراوح تعداده بين ثلاثة وثمانية ملايين بحيث يؤمن احتياطياً أمنياً وانتخابياً للنظام القائم، وهذا يعني عملياً أن خمسة في المئة على الأقل من سكان ايران يشكلون قوة النظام وعيونه، أي ما يعادل عشرة في المئة ممن يحق لهم الانتخاب في ايران، وهذا يعني أيضاً عشرين في المئة ممن يشاركون عادة في الانتخابات أي خمسين في المئة. وهذا يعني أن النتائج معروفة سلفاً بغض النظر عن كون الرئيس «إصلاحياً» أم «محافظاً»، وتجربة حسن روحاني ومن قبله محمد خاتمي خير دليل.

لذلك، فان انتظار أي تغييرات قد تنتج عن هذه الانتخابات، وغيرها من المظاهر الديموقراطية الكاذبة في ايران لن تؤدي الا الى خيبات الامل طالما أن النظام أمّن لنفسه مجموعة شبكات الامان التي تضمن له استمراره وهي تتعدى المسائل الدستورية والامنية الى عالم المال وتوزيع المصالح بحيث يسيطر الحرس الثوري على مساحات واسعة من الإقتصاد الإيراني. لذلك فان تجارب الماضي تؤكد أن هكذا نظام لن يتغير الا بكارثة انسانية جديدة، يعني حمام دم داخل إيران لأن منظومة السلطة والمصالح لن تسلم ببساطة ما تملكه بمجرد الركون إلى «اللعبة» الديموقراطية!.