قبل أن يولد اتفاق الطائف ويحدد فيه النواب نهائية لبنان، حدد الإمام المغيّب موسى الصدر سنة 1977 هذه النهائية بقوله: «لبنان وطن نهائي لجميع بنيه».
يعيدنا الإمام الصدر الى فكرة الاستقلال الكامنة في معنى أن يكون لبنان في صميم كلّ منّا وطناً نهائياً لجميع أبنائه.
كان سماحته أول من دعا في 20 نيسان 1975، لحظة اندلاع الأحداث المشؤومة في لبنان وقبل امتداد شراراتها، 77 شخصية سياسية واقتصادية وعمالية ودينية وفكرية من مختلف الطوائف إلى اجتماع، في مقرّ المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى في الحازمية، الى تدارس التطورات.
تناول الحاضرون يومها أسباب المشكلة اللبنانية في شتى جوانبها، ولا سيما تلك المتعلقة بالعلاقات الفلسطينية ـ اللبنانية. وممّا قاله: «إنّ كل لحظة نقضيها من دون تحرّك نخون فيها الوطن ونخون جيلنا. وفي لبنان أزمتان، أزمة داخلية والثانية مع المقاومة. الأزمة الداخلية لها وجوه عدة، فهي طائفية وإقطاعية بسبب التخلف والحرمان، وهي خلاف بين أحزاب، بين فئة متنعمة وفئة محرومة… أما الأزمة مع المقاومة الفلسطينية، فقد نشأت بعد تغيّر وضع الفلسطينيين في العالم العربي إثر حرب 1967، حين حصرت الدول العربية مطالبها باستعادة الأرض، فهبّ الفلسطينيون إلى حمل السلاح ليدافعوا عن أنفسهم وعن قضيتهم. هذا الواقع حتّم إيجاد متغيّرات في العلاقات بين لبنان والمقاومة الفلسطينية، فوقعت الاصطدامات».
وتابع سماحة الإمام بالقول: «إنّ أفضل وسيلة لفهم المقاومة هو الاستماع إليها».
وفاجأ يومها الحضور بوجود هاني الحسن في مكتب مجاور فدعاه الى الكلام. عندها بادر الأخير المجتمعين بتوجيه التحية من أبي عمار إلى: «الوجه الحضاري من لبنان، والى اللبنانيين الذين حملونا ضيوفاً مدة 26 سنة، إلى لبنان الذي نريد أن نقيم دولة فلسطين على غراره ومن خلال صيغته».
هذه الفقرات من الخطاب التاريخي للإمام المغيّب لامست كل جوانب المشكلة اللبنانية، والعلاقة الداخلية مع الفلسطينيين، بحيث جسدت تلك الشخصية الاستثنائية لرجل دخل التاريخ من بهوه العريض، وما لبثت يد الغدر والمؤامرة أن خطفته ورفيقيه الشيخ محمد يعقوب والصحافي عباس بدر الدين لتمعن في فتنتها المعدّة لتخريب صيغة لبنان.
غاب سماحته عن المسرح الوطني ليحمل رئيس المجلس النيابي نبيه بري الشعلة الوطنية التي أوقدها الإمام الصدر في حركة «أمل» المقاومة، ولتتوسّع أطرافها بعد الثمانينيات الى حركة شاملة متوأمة ما بين «أمل» و «حزب الله» بقيادة أمينه العام السيد حسن نصرالله، ولتسجّل عام 2000 أروع انتصار في تاريخ لبنان والأمة العربية على أعتى الجيوش التي ظلت لا تقهر حتى تاريخ اندحارها عن الأراضي اللبنانية.
ومثلما تحطمت مشاريع التجزئة والتقسيم والتوطين ليبقى لبنان وطناً منيعاً ونهائياً لجميع أبنائه، فإن الرئيس بري حريص على إبقاء لبنان بمنأى عن كل هذه الحركات الدخيلة علينا من أصقاع الارض وشذاذها..
(]) وزير سابق