إستكمل المرشح الرئاسي رئيس تكتّل «التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون جولته على المرجعيات الروحية والسياسية، وتَوّجها مساء أمس بزيارة بكركي حيث أطلع البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي على تطوّرات الملف الرئاسي قبل الجلسة الانتخابية في 31 الجاري، فنال بركته، بحيث أبدى «ارتياحه لحصول ما كان يطالب به باستمرار وهو إعلان الكتل السياسية والنيابية موقفها من الترشيح».
يعتبر الصرح البطريركي أنّ زيارة أيّ زعيم مسيحي أو وطني الى بكركي طبيعيّة جداً لأنها تشكّل صرحاً جامعاً لجميع اللبنانيين، أمّا في المضمون، فإنّ اللقاء شكّل مناسبة بحسب المجتمعين لتقويم آخر الإتصالات الرئاسيّة والحركة الحاصلة بدءاً من ترشيح رئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع للعماد عون، وصولاً الى التغيّر الجذري في تبنّي الرئيس سعد الحريري ترشيحه.
كل تلك المتغيّرات خيّمت على لقاء بكركي أمس، بحيث أكدت مصادر بكركي لـ«الجمهورية» أنّ «اللقاء كان صريحاً وواضحاً، فطرحت الأمور كما يجب، إضافة الى كلّ المخاوف والهواجس».
سيطر جوّ إيجابي على النقاش حيث قال البطريرك: هذا ما كنّا نتمناه وبتنا على قاب قوسين من الوصول إليه في جلسة 31 تشرين المقبل، فكنّا دائماً ندعو الكتل النيابية للنزول الى المجلس لانتخاب رئيس، فأكّد عون أنه واثق من أنّ الفراغ سينتهي في الجلسة المقبلة وستعود رئاسة الجمهورية الى لعب دورها ويعود عمل المؤسسات الى طبيعته.
وفي تفاصيل اللقاء، انه شكّل ما يشبه تصوّراً للعهد الجديد وتفاهماً بين الراعي وعون، حيث طرحت كل المواضيع التي تشكّل مادة دسمة للعهد، فأوصى البطريرك الجنرال بمبادئ عدّة، أوّلها أن يحرص على الإجماع المسيحي وكذلك الوطني، وقال له: بدأنا تجربة ناجحة منذ انتخابي بطريركاً ونجحنا في جمع الأقطاب الموارنة في بكركي وإبرام تفاهمات ومصالحات بعد فترة صدامات طويلة، لكن في الفترة الاخيرة حصل ما يشبه التباعد الجذري وعودة الإصطفافات القديمة بالشكل، على رغم أنّ التحالفات تغيّرت. لذا، أتمنّى عليك وبما أنّك ستصبح رئيساً للجمهورية، وأباً لجميع المسيحيين واللبنانيين أن تحافظ على الوحدة المسيحية والمارونية لكي نستمرّ في لعب دورنا داخل المجتمع والدولة، فهذه من أهم مطالبي لأننا عانينا كثيراً الإنقسامات المسيحيّة.
وتعليقاً على هذه النقطة، أكّد عون للراعي أنه سيسعى الى استمرار الوحدة المسيحيّة، «وأنا كمرشّح للرئاسة لن أدخل في خلاف مع أحد خصوصاً مع الأقطاب المسيحيين، بل سأكون راعياً للجميع، ومن أجل وحدتنا اجتمعنا في بكركي، ومن ثمّ تفاهمنا مع «القوّات اللبنانية» على عناوين مسيحية ووطنية وسنكمل تفاهماتنا مع الجميع، مسيحيين ومسلمين».
النقطة الثانية في تمنيات البطريرك ونقاشاته مع الجنرال، كانت قانون الإنتخاب، حيث جدّد الراعي مطالبته بإقرار قانون انتخاب عادل يؤمّن صحة التمثيل المسيحي والوطني، لأنّ القوانين التي كانت تجرى على أساسها الإنتخابات سابقاً لا تؤمّن صحة التمثيل، ومن حقّ اللبنانيين أن يكون صوتهم مسموعاً، فشدّد عون على أنّ هذا الملف هو مطلب تكتل «التغيير والإصلاح» أولاً، وقد خضنا معارك طاحنة من أجل تصحيح التمثيل، «وبالتأكيد سأعمل وفق قناعاتي ووفق المصلحة الوطنية ليكون لنا قانون جيّد يرضي الجميع ويحترم الميثاق».
ولم تقتصر الجلسة على نقاش المواضيع السياسية، بل ناقشت كل ملفات العهد إن كانت مالية او إدارية، واتفق الراعي وعون على أنّ انطلاقة العهد يجب ان تكون سريعة ويجب تأليف حكومة وحدة وطنية لتباشر التحضير للإنتخابات النيابية المقبلة، ومن ثمّ لتشكّل مظلّة أمان للبنانيين جميعاً وتحافظ على الاستقرار لأنّ الوضع لم يعد يتحمّل مزيداً من الخضّات، والحرص على دعم الجيش والمؤسسات الأمنية الشرعية.
وحضر ملفّ عودة المسيحيين الى إدارات الدولة، حيث تمنّى الراعي على عون العمل لإعادة التوازن الى المؤسسات خصوصاً بعد طول غياب وإبعاد قسري في وقت فرغ بعضها من المسيحيين، فأكّد الجنرال أنّ التوازن سيعود عاجلاً او آجلاً وسيشعر الجميع أنهم شركاء في العهد الجديد.
وفي إطار الحديث، حضر الملفّ المالي بقوّة، وشدّد الرجلان على أنّ من أهمّ مهام العهد الجديد هو محاربة الفساد في الإدارات والمؤسسات العامة، ومكافحة الرشوى وإنجاز إصلاح إداري شامل لأنّ الوضع لم يعد يتحمّل المزيد من «الهَريان»، إضافة الى معالجة قضية الدين العام والاهتمام بالثروة الوطنية وعلى رأسها النفط وعدم التفريط بالثروات الوطنية.
إنتهى الاجتماع بين البطريرك والجنرال في جوّ من الإتفاق، ومعالجة كلّ القضايا بالحوار والتروّي وعدم الدخول في معارك جانبية، فبارك الراعي كل خطوة من شأنها انتخاب رئيس وتمنّى التوفيق للعهد الجديد.