عهد جديد، عاهد في بدايته شعب وطنه بالعمل الدؤوب من أجل حمايتهم وحماية البلد من «النيران المشتعلة من حوله». وهو الأمين منذ العام 2005 على تثبيت مشروع الدولة وقيامة المؤسسات رغم الأخطار التي كان وما زال يواجهها والمعوقات والعراقيل التي توضع في طريق وصوله إلى ما يصبو اليه من حلم جامع راوده يوم تسلّم أمانة وطن من والد أبى إلّا أن يزرع في العاصمة بيروت سيرة عمل ونضال واستشهاد تتحدث عن رجل حمل هموم المدينة والناس ساعيا إلى الوحدة وناشداً لوطنه الأمن والأمان.
الرئيس سعد الحريري العائد بالأمس إلى رئاسة الحكومة من باب التكليف بأكثرية ساحقة من الأصوات المؤيدة، يُثبت مرة جديدة للقاصي والداني وللصديق قبل الخصم، أن الحكومة بالنسبة له ولما يُمثّله، «شرف وليست ترفاً وأن المواقف والصمود والصدق والإلتزام بالمبادئ، هي التي تصنع المواقع والمراكز وليس العكس، فكم من مرّات حاول فيها البعض ثنيه عن عزيمته تجاه وطنه وإخضاعه لقرارات ومشاريع خارجية إمّا ترهيباً وإمّا ترغيباً، لكنه فضّل أن يكون مُراقباً وفاعلاً في الوقت عينه، ولو من بعيد لفترة هو الذي حدّدها بملء إرادته، عوض أن يكون شاهد زور على وضع شاذ تحكمه الغرائز والعصبيات، وتتحكّم به إرادات خارجية بعدما جعلت منه صاعق تفجير تُهدد بإستعماله طبقاً لمصالحها.
يعود اليوم الرئيس الحريري لممارسة دور لم ينقطع في الأصل عنه يوماً وهو الذي اكتسب هذه القناعة والثقة والإلتزام، من بيت امتهن عشق الوطن والعمل لمستقبله والتضحية بالنفس والمال من أجله. دور لن يكون سهلا بكل تأكيد لكنه سيكون مفصليا في إبعاد لبنان عن النيران التي تشتعل من حوله والنأي به عن الأحداث، ومن جهة اخرى، سيكون همّ المواطن ومعيشته من ضمن أولويات مشروعه الإقتصادي الذي تنفس الصعداء في اللحظة التي أُعلن فيها عن تكليفه لتشكيل الحكومة.
على الرغم من أن بعض خياراته خصوصاً المصيرية منها، لم تكن تنسجم سواء مع قاعدته الشعبية أو عدد من المقربين منه سواء من السياسيين أو الأصدقاء، إلا أنه كان على الدوام «الفدائي» العاقل الذي يتلقّى في صدره «الطلقات» في سبيل إنقاذ ما تبقّى من الدولة، وهيبتها وهو العارف بأن ذهاب هيبة الدولة، يعني سقوط المشروع الذي آمن به تماماً مثلما آمن به والده من قبله، وهو مشروع تثبيت دعائم الوطن من خلال مؤسّسة الجيش التي جاهد من أجلها ومنع سقوطها في الكثير من الأفخاخ التي نُصبت لها، وهو الذي كان من أوّل الداعين إلى ضرورة تسليح الجيش يوم دعا في العام 2010 إلى إطلاق حملة التبرّع للغرض نفسه.
لم تكن السلطة مرّة غايته ولا هواية ليُمارس من خلالها سلطته المعقودة أصلاً على طينة طيّبة وليّنة وعاطفة في التعاطي مع اللبنانيين كافة من دون أي تمييز، وإنسانياً في حقوله المتنوّعة والمتعددة. صاحب المبادرات، وسياسة اليد الممدودة لها معه حكايات في الكثير من المحطّات التي كاد أن ينهار فيها البلد. كان أوّل الداعين إلى إنتخاب رئيس وراح في خياره إلى حد ترشيح أسماء لم تكن في وارد أن يرشحها، لكن الهمّ كان دائماً، إنقاذ الوطن وإخراجه من دائرة الإستهداف. رجل اتُهم بأمور متعددة وبمواقف متقلّبة وبـ«نهاية» لا تليق بأمثاله ولا بتاريخه وإنجازاته. رجل سار على درب الجلجلة متكئاً على رصيده الشعبي وعلى مواقف لم تخذله يوماً، فكانت عودته من بوّابة الوطن الكبيرة، بوّابة لا يمكن أن يمر عبرها، إلّا أصحاب السيرة الحسنة ومن حسبت لهم الأيام الف وألف حساب لمثل هذا اليوم.
تكليف الأمس، جاء ليؤكد مُجدّداً بأن الرئيس الحريري حاجة وطنية دائمة وأن المراحل الصعبة التي يمر بها لبنان، تتطلب وجوده وحضوره في كافة الميادين السياسية والإقتصادية، وبدوره لم يتهرّب الحريري من مسؤوليات فرضت نفسها عليه ولا من منصب من المؤكد أنه سيُحمّله أعباءً إضافية وسوف يضعه في مواجهة كل من يُحاول الإنتقاص من قيمة البلد أو وضعه في مكان لا يليق به. ما يحمله الحريري في اليد الممدودة سيساعده على تجاوز المحن والسير باتجاه إستعادة الأحلام. أمّا في اليد الأخرى التي ما احجمت يوما عن مصافحة الغير، فسوف يسير وفق قناعاته التي عبّر عنها لحظة تكليفه تشكيل الحكومة « قبلت هذا التكليف شاكرا لفخامته ثقته وثقة الزملاء النواب الذين شرفوني بتسميتي لهذه المهمة الوطنية التي أنطلق فيها منفتحا على جميع الكتل النيابية، بما فيها تلك التي امتنعت عن تسميتي عملا بدستورنا وقيمنا الديمقراطية».
ما يُمثله الرئيس الحريري اليوم على الأرض، هو محبّة الناس وتعاطفهم معه وتأييدهم لخياراته، أمّا في السياسة، فهو يُمثّل مئة واثني عشر صوتاً من نوّاب في برلمان يمثلون كل الشعب اللبناني. هؤلاء جميعهم ذهبوا بخيار واحد عنوانه «نثق بك». وسيبقى شعار الرئيس سعد الحريري الأوحد والأبقى هو ما قاله والده الشهيد ذات يوم «مش مهم مين بيبقى ومين بيروح.. المهم يبقى البلد».