Site icon IMLebanon

«القومي» يغيب عن الشارع: اسألوا «الشيوعي»!

     

لا يُشارك الحزب السوري القومي الاجتماعي في التحركات الشعبية التي تُنظمها الأحزاب المعارضة للنظام ومجموعات «مدنية»، لأسباب عديدة، أبرزها سوء التنسيق مع الحزب الشيوعي، واعتبار «القومي» أنّ قيادة الوتوات لم تدعه إلى المشاركة، ولم تعرض عليه دراستها الاقتصادية

 

 

منذ أن أطلقت الأحزاب المُعارضة للنظام اللبناني الحالي (الحزب الشيوعي اللبناني، التنظيم الشعبي الناصري، الحزب الديمقراطي الشعبي…) مع عددٍ من المجموعات «المدنية» (بيروت مدينتي، المرصد الشعبي لمحاربة الفساد، حراك المتن الأعلى، تيار المجتمع المدني…)، تحركاتها الشعبية لمواجهة الواقع الاقتصادي ـــ المالي، مُترافقةً مع ورقة اقتصادية تُحدّد مكامن الخلل وتطرح خريطة طريق للمرحلة المقبلة، كان المشهد «ناقصاً» مع غياب الحزب السوري القومي الاجتماعي عن الشارع. أتى غياب الأخير، مُقابل الالتقاء بين مجموعات غير سياسية و«الشيوعي»، واتفاق الفريقين للمرة الأولى على عناوين اقتصادية موحدّة. وهو الأمر الذي لم يسبق له أن حصل، لما بين الاثنين من جبال من الاختلافات، على العكس من العلاقة بين «الشيوعي» و«القومي». فرغم التاريخ المختلف بينهما، بين الحزبين الشيوعي والقومي، والخلفيات العقائدية المتباعدة، وفشل محاولات تحالفهما سابقاً، ولكن يبقى أنّ بين الفريقين قواسم «استراتيجية» عديدة، كان من المفترض أن تُسهّل عملية إيجاد أرضية مشتركة بينهما، إن أرادا ذلك.

 

أسباب الانكفاء التي يجري التداول بها بين مسؤولين قوميين عديدة، أبرزها أنّ قيادة الوتوات لم تتواصل مع «القومي» وتُنسّق معه خطوات الحراك الشعبي الأخير. كما يُتهّم «الشيوعي» بأنّه «يُفضّل أن يعمل وحيداً ولا يتعاون مع أحد»، خاصة مع طرف كالحزب القومي «الذي لديه قدرة أكبر على الحشد، وحضوره السياسي أفعل، وقد ظهر ذلك خلال الانتخابات النيابية في أيار»، من دون إغفال سبب داخلي أساسي، وهو «حالة التخبّط التي تمرّ بها قيادتنا، نتيجة الخلافات الداخلية المُستمرة منذ فترة». أدّى ذلك إلى أن تكون الأولويات القومية في مكانٍ آخر، وأن لا يصل النقاش الحزبي حول الأمور المطلبية إلى «أي نتيجة جدّية»، علماً بأنّ الحزب القومي قرّر أن يُصبح له موطئ قدم في «ملف مكافحة الفساد»، ويتحدّث المسؤولون عن «الإعداد لورقة تفصيلية للواقع الاقتصادي ــ المالي، قائمة على اعتبار أنّ أساس الفساد هو المصارف». لم تُقرّ الورقة بعد، ويُبحث في إمكانية أن تكون مواكبة للتحرّك الشعبي.

يبدأ عميد العمل والشؤون الاجتماعية في «القومي» بطرس سعاده حديثه بالتوضيح أنّه «إذا كنا لا نُشارك في التظاهرات الشعبية، فذلك لا يعني أنّنا خارج الحراك المطلبي. فنحن جزء أساسي من الاتحاد العمالي العام، الجامع لكلّ التحركات، ونُشارك في أنشطته، على العكس من الشيوعي الذي انسحب من الاتحاد». يغفل سعاده وجود ملاحظات عديدة على طريقة العمل داخل «الاتحاد»، أبرزها أنّه صيغة مُصغّرة عن أحزاب السلطة، وراع لمصالحها. يرفض سعاده ذلك، «فأهدافنا داخل الاتحاد العمالي تختلف عن غايات السياسيين. لدينا مطالبنا، ومن يدعمنا فيها نكون قريبين منه»، مُتّهماً «المُنظّرين اليساريين بتهديم المؤسسات من خلال أسلوب النقد المطلق». أما بالنسبة إلى الحزب الشيوعي، فإطلاقه دعوة عامّة إلى المشاركة معه، «ليس أمراً كافياً. فالأحزاب لا يدعو بعضها بعضاً بهذه الطريقة. الدعوة العامة توجّه للناس».

يؤخذ على قيادة الوتوات أنّها تُفضّل «التحرّك وحدها». ويُذكّر سعاده بأنّه في العام الماضي «طُرح موضوع العلاقة بيننا وبين الشيوعي. مثّلنا نائب رئيس الحزب وائل حسنية، وعن الشيوعي مسؤول العلاقات السياسية حسن خليل. لم نلقَ تجاوباً من قبل الشيوعيين». ما السبب؟ يعتقد عميد العمل والشؤون الاجتماعية أنّ «الشيوعي يُحجم عن مدّ اليد لنا، علماً بأنّنا أكثر حزبين يجب أن يلتقيا، لما يجمعنا من نقاط، ولا سيّما ما يتعلّق بالمقاومة وإلغاء الطائفية».

درجت العادة على أن يراقب «القومي» التحركات الشعبية «بعين مفتوحة»، احتياطاً من أن تكون واجهة لأهدافٍ أخرى. هذه المرّة أيضاً، لا يبدو أنّ الحزب القومي يُعطي ثقته للتحركات الشعبية، لكن لأسباب أخرى. يعتقد بطرس سعاده أنّ «التحركات الجزئية لا تؤدّي إلى أي نتيجة. أي تحرّك مطلبي يجب أن تكون له أهدافٌ استراتيجية، ولم نُلاحظ ذلك في التحرّك». ما يقوله سعاده غير دقيق، وفيه «إجحافٌ» بحقّ الحزب الشيوعي، لأنّ الأخير قدّم في كانون الأول الماضي دراسة اقتصادية عملية، تُشكل خطّة عمل، وتُحدّد الإجراءات الواجب تطبيقها، منعاً لتحميل الفئات الأكثر تهميشاً تبعات الانهيار. يردّ سعاده بأنّه لم يطّلع على الدراسة، مُقارناً بين الحزب الشيوعي والحزب التقدمي الاشتراكي «الذي وضع ورقة، ودار بها على القوى السياسية لشرحها». وهو يعتبر أنّ ما يُرفع خلال التظاهرات لا يعدو أكثر من كونه «شعارات وأفكاراً عامة، في حين أنّ عمل الأحزاب هو في وضع أهداف استراتيجية. لا تجدي التحركات نفعاً إذا لم تكن أهدافها مُحدّدة، كالسترات الصفراء في فرنسا، التي أتت كردّ فعل على إجراء مُحدّد».

يأتي الردّ من الشيوعيين بالتأكيد بدايةً على «اعتبارنا أنّ الموقع الطبيعي للقومي هو أن يكون إلى جانب قضايا الناس»، يقول مسؤول العلاقات السياسية حسن خليل. ويوضح أنّه خلال التحركات الأخيرة، «وحين رأينا أنّ الأمور متجهة نحو الانهيار، بادرنا إلى إطلاق الدعوة إلى التظاهر عبر مؤتمر صحافي، داعين كلّ القوى السياسية الوطنية والنقابية والأهلية والمدنية إلى أن نُشارك كلّنا معاً. فالساحة ليست حكراً على أحد». ولكن أنتم وجّهتم الدعوة مباشرةً إلى التنظيم الشعبي الناصري؟ يردّ خليل بالقول إنّه مع النائب أسامة سعد «يوجد اتفاق سياسي، ونُنسّق في كل خطواتنا. دعوناه بحكم هذه العلاقة»، نافياً أن يكون للاختلافات العقائدية والتاريخية مع «القومي» أي تأثير حول العلاقة الثنائية، «هذا الأمر غير مطروح أبداً. فنحن حريصون على وجود كل القوى التي ترغب في أن نتشارك معها تلك المواجهة. والرفاق في القومي هم حزب مقاوم وعقائدي وغير طائفي. نتقاسم معهم الكثير، وفي بعض المناطق تلتقي قيادتانا المناطقية، وعليهم هم أن يحددوا موقعهم في تلك المواجهة».