تتزاحم على الساحة الداخلية هذه الايام جملة عناوين متقاسمة اهتمام اللبنانيين، في مقدمتها الهم الرئاسي الذي حركت مياهه الراكدة عودة الرئيس سعد الحريري الى بيروت وحركة الاتصالات التي باشر بها، في محاولة لاحداث خرق في جدار الازمة المرشحة للاستمرار طويلا، بحسب مصادر متابعة، وفي سياق اللقاءات التي بدأها، ينتظر ان يحط في بكركي للقاء مطول مع البطريرك الماروني، لبحث «الملف المسيحي»، الذي يبدأ بمسالة الرئاسة الاولى وتعنت «الاربعة الكبار»، ولا ينتهي بكرة ثلج التشكيلات الادارية في بعض الوزارات والمؤسسات العامة التي تزامنت مع اصوات طالبت باعادة النظر بحصص الطوائف في الوظائف الاولى «السيادية».
فإتفاق المسيحيين «مصالحة معراب» يبقى دونهما الكثير من العقبات لإنتاج رئيس للجمهورية، وفق المصادر حيث اللعبة خرجت من أيديهم منذ فترة طويلة، وهو ما بينته كلمتا الحريري والسيد حسن نصرالله، في ظل فشلهم بتشكيل جبهة موحدة أسوة بـ«الجبهة اللبنانية» تعمل على فرض امر واقع لا يمكن تخطيه او الخروج عن ثوابته، الامر الذي جعل لقاء معراب لا يخرج عن «مجرّد النوايا»، وإن كان في الظاهر من أجل «استرضاء» الشارع المسيحي، إلا أنه في الواقع يعكس رغبة لكل طرف، ففي وقت يعمل الدكتور سمير جعجع على تبييض صفحته أكثر فأكثر امام المسيحيين، يسعى عون ليصبح رئيساً للجمهورية،كل ذلك فيما الوجود المسيحي في الدولة يتآكل بين عدم مبالاة السياسيين و«مقاطعة» المجتمع.
بعيدا عن كل ما رافق الغاء «الاجتماع الوزاري المسيحي» الذي كانت بكركي قد باشرت التحضير له،شكلت الازمة المستجدة بتفاعلاتها محور الحدث مع اللقاءات الوزارية «البديلة» التي شهدها الصرح والتي عالجت وضع الموظّفين المسيحيين في الإدارات العامّة، وكيفية مقاربتها مع المحافظة على المشاركة الفعلية لجميع الطوائف في ادارة الدولة، حيث تشير المصادر الى ان الدعوة للاجتماع الموسع أجلت الى موعد سيحدد لاحقا بعد ان ينهي البطريرك جولة الاتصالات التمهيدية التي بدأها مع القوى السياسية لجوجلة الافكار التي ستشكل جدول اعمال اي لقاء كي ياتي مثمرا.
وتكشف المصادر في هذا الاطار ان الغاء اللقاء الذي كان مقررا الاسبوع الماضي،جاء على خلفية معلومات تبلغتها الدوائر المعنية في الصرح، تضمنت لائحة مفصلة بالتعيينات والتكاليف التي قام بها وزير المال علي حسن خليل منذ تسلمه الوزارة، بينت ان عددها الاجمالي بلغ 28 كانت حصة المسيحيين منها 18 و10 فقط من حصة المسلمين، توزعت على الشكل التالي: في الفئة الاولى، تم تعيين موظفين مسيحيين بقرار من مجلس الوزراء، كما تم تكليف ثالث بقرار من الوزير، اما في الفئة الثانية فقد أصدر مجلس الوزراء مرسوم بترفيع 5 موظفين رفعت أسماؤهم من قبل مجلس الخدمة المدنية (3 مسيحيين ومسلمان) فيما كلف الوزير ثلاثة موظفين جميعهم من الطائفة المسيحية، ورست الفئة الثالثة على تكليف الوزير 17 بينهم 9 مسيحيون.
في غضون ذلك وضعت انتخابات الرابطة المارونية على نار حامية، حيث يرى فيها الكثيرون محكا عمليا لاختبار التوافق القواتي – العوني، على حدّ قول مصادر مسيحية، الذي يبدو انه قرر خوض معركته ضد بيك المختارة ناجحا في استبعاد «مرشحه» لامانتها العامة النائب السابق عبد الله فرحات، ونجاح المساعي الجارية للتوصل الى لائحة توافقية تمثيلية في العملية الانتخابية بعد التفاهم بين رئيس جمعية المصارف الرئيس السابق للرابطة جوزف طربيه والنقيب انطوان قليموس، لم تتوصل الى صيغة نهائية بعد،رغم ان التوافق رسى حتى الساعة على انطوان قليموس رئيسا للمجلس التنفيذي للرابطة المارونية، وتوفيق معوض (عوني) نائبا للرئيس وعبدو جرجس أمينا للصندوق ومدير عام شركة SNA د.انطوان واكيم لمركز الامين العام، وتينا ملاح (عونية) للعضوية، الى جانب المحامي لوران عون والدكتور مارون سرحال والمحامي ميشال قماطي وعبدو جريس والمحامية عليا الزين ونقيب اطباء الاسنان السابق انطوان خوري، المحامي وليد الخوري (من حصة وديع الخازن)، العميد ابراهيم جبور (تيار المردة)، جورج الحاج (ابن شقيقة جوزيف طربيه).
عليه تشهد بكركي اجتماعا اليوم لاطلاع البطريرك على نتيجة ما توصلت اليه المشاورات، حيث سيضم اللقاء، رئيس الرابطة سمير ابي اللمع ورؤساؤها السابقين الوزير ميشال اده، الامير حارث شهاب والدكتور جوزف طربيه، حيث سيتم استعراض مجريات العملية الإنتخابية للمجلس التنفيذي للرابطة وضرورة إبقائها بعيدة عن أي خلاف أو تجاذب. كما سيطرح المجتمعون ملف الوظائف في ادارات الدولة، وما نتج عنه من تطورات استدعت متابعته حرصا على الحفاظ على التوازن الطائفي في وظائف الدولة، بحثا عن المخارج الممكنة للحد من شعور المسيحيين بالغبن، خصوصا بعد التطورات الاخيرة التي استدعت عقد اكثر من مؤتمر صحافي لشرح تفاصيلها، وما نتج عن لقاءات البطريرك مع الوزراء المسيحيين المعنيين بهذا الموضوع.
في الموازاة علم ان الاتصالات لا تزال مستمرة لاستكمال حل العقد العالقة، حيث تلعب الاحزاب دورا ايجابيا، حيث ينشط المكلفان من قبل «التيار الوطني الحر» و«القوات اللبنانية» منصور قطيش وشوقي الدكاش في اتجاه الفرقاء المعنيين لتقريب المسافات وتدوير الزوايا، سعيا لانجاز التوافق على اساس ايجاد صيغة ائتلافية موحدة تستطيع تفعيل دور الرابطة والنهوض بها، حيث يجري التداول بأسماء كثيرة لعضوية الرابطة على اللائحة التوافقية، وتغيب اسماء كثيرة لتعود من جديد وهكذا تمضي لعبة الاسماء بين كر وفر لان المفاوضات في موضوع تشكيل اللائحة الموحدة لا تزال قائمة في انتظار تذليل كل العقبات، بحسب ما تشير الاوساط، رغم انجاز حوالى 90% من الاتفاق.
قال السيد حسن نصرالله كلمته، وقبله فعلها الحريري ممددا هذه المرة اقامته، فيما يلتزم الاطراف المسيحيون الصمت، في الوقت الذي تتجه فيه الانظار الى بكركي. فهل تنجح الرابطة المارونية بمجلسها التوافقي في احداث النقلة النوعية وانجاز الانقلاب لاعادة المسيحيين الى الطاولة؟