قطع رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري الشك باليقين باعلانه أول من أمس، ان الدولة هي من حررت منطقة عرسال.. وهي قامت بواجبها من العدلية، الى الأمن العام والجيش والحكومة وعلى رأسها رئيس الجمهورية.. الدولة هي من حررت جرود عرسال والمنطقة من »النصرة«. لافتا الى ان هناك منطقة ثانية يتواجد فيها »داعش« وهذا سينتهي أيضاً لأن الجيش اللبناني سيتعامل مع الأمر بالشكل الذي يجب ان يتعامل فيه..«.
– العدلية قامت بدورها القانوني في صيغ اطلاق الموقوفين.
– الأمن العام قام بدوره في المفاوضات، خصوصاً بشخص مديره العام اللواء عباس ابراهيم، الذي أثبت كفاءة عالية محاطة بسرية لافتة وقد توزعت مهماته بين الداخل وبين الخارج، وكان أبرع الوسطاء مع »الخارج« وتحديداً سوريا التي يتشارك لبنان واياها الحدود البرية وما يخترقها من معابر – وأفضل منسق للعمليات العسكرية والأمنية التي حصلت – والتي لولاها لما كانت »النصرة« وقعت في افخاخ الجرود التي باتت أشبه ببراميل بارود تحيط بها من كل جانب.
– والجيش اللبناني، سجل دوراً بالغ الأهمية والتأثير في سير المعارك، وشكل حاضنة لافتة لحماية المدنيين من نازحين وغير نازحين، كما وقام بدور مؤثر وفعال في قصف تجمعات »النصرة« وقطع الطرقات أمامها للتسلل الى الداخل اللبناني وشكل طوقاً ساعد مقاتلي »حزب الله« على انجاز مهماتهم بأقل الخسائر وبأسرع الأوقات، خصوصاً وأن أحداً لم يكن يتوقع ان تحسم مواجهة عسكرية على هذا القدر من التعقيدات واللوجستية بهذه الفترة الزمنية القليلة نسبياً.
بديهي ان ذلك ما كان ليحصل لولا القرار الحكومي الرسمي، وعلى رأسها رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، الذي واكب عمليات جرود عرسال لحظة بلحظة..
في قناعة عديدين من المتابعين ان الرئيس الحريري الذي بدأ زيارته الولايات المتحدة في ٢١ تموز الماضي وانتهت في ٢٧ منه، لم يكن بعيداً عن مجريات ما حصل.. لا قبل اطلاق الاشارة الخضراء لبدء العمليات العكسرية، ولا بعدها وما بينهما، فقد كان على اطلاع يومي على المجريات الميدانية، وهو شارك رئيس الجمهورية في قرار الحكومة الرسمي، على الرغم من المواقف التي صدرت عن قيادات في »تيار المستقبل« وتحفظت على ما جرى، بل رفضت المضي في السياسة التي اعتمدها »حزب الله« في مصادرة قرار السلم والحرب، بديلاً عن الدولة اللبنانية، المفترض ان تكون هي صاحبة القرار..
ليس من شك في ان ما حصل في جرود عرسال ومحيطها، وما يمكن ان حصل في محيط القاع ورأس بعلبك ومحيطهما شكل علامة فارقة وضعت لبنان في طليعة المواجهين للارهاب والارهابيين على اختلاف مواقعهم وارتباطاتهم وتحالفاتهم الدولية والاقليمية.. والانجاز الذي تحقق، معززاً بتبني الرئيس الحريري، كرئيس لحكومة كل لبنان، يرقى الى مستوى الترفع عن الخلافات ويتجه الى تصحيح بوصلة العمل الوطني اللبناني الجامع والمانع، على رغم اقرار الجميع بوجود تباينات – تقارب في بعضها الاختلاف والخلاف، لكن ما بين المصلحة الوطنية العليا والمصالح الفئوية، لا بد من خيار، فكان خيار الرئيس الحريري، الاقرار بوجود اختلاف في القراءات من دون الوصول الى الخلافات وابعاد لبنان عن خط الزلازل التي تضرب المنطقة..
لم يتراجع الحريري عن مبدئياته.. وهو دعا الجميع الى وجوب »ألا يزايد بعضنا على بعض..« فالتباين السياسي، بل والاختلاف في العديد من الأمور واقع مع »حزب الله« والحزب يقر بذلك ولا يدير ظهره لذلك.. هذا مع الاشارة الى أنه كان لافتاً في الأيام والأسابيع الماضية ان قيادات الحزب، من »كبيرها الى صغيرها«، تجنبوا الدخول في سجالات داخلية، مع »المستقبل« ومع غيره.. وذلك لم يكن عفواً، بل بقرار من قيادة الحزب العليا، وتحديداً الأمين العام السيد حسن نصر الله الذي كان من المقرر ان يلقي كلمته مساء أمس وارجأها الى اليوم..
بالتأكيد المعركة لم تنتهِ كلياً بعد.. وليس هناك من ضمانات بأن اندحار »النصرة« وخروجها من المنطقة، لا يعني ان المنطقة باتت بألف خير، وان احتمال وجود ثغرات أمنية وارد حتماً والدليل على ذلك، العثور يوم أمس، على عبوات ناسفة واحدة منها معدة للتفجير على جانب الطريق داخل بلدة عرسال، وقد عمل الجيش اللبناني على تفجير اثنتين منها..
المتضررون من الاتفاق الذي حصل عديدون، في الداخل كما في الخارج.. والواجب يقضي عدم المزايدة، والدولة قامت بواجبها في كل ما هو مطلوب منها.. والمعلومات تؤكد ان »التفاوض« حصل بقرار رسمي واستطاع المفاوضون، وفي وقت مثالي، الوصول الى النهاية السعيدة.. وستستكمل الدولة، بكافة أجهزتها معالجة سائر الموضوعات العالقة، وفي الأولويات موضوع »داعش« في جرود القاع وراس بعلبك.. لأن القرار بات واضحاً وكما عبر عنه العديد من قيادات الدولة، يتلخص بالتالي: »لن نقبل ان يكون هناك أي نوع من الارهاب على الارض اللبنانية.. لا على الحدود ولا في الداخل.. والجيش اللبناني، وسائر الأجهزة الأمنية تعمل بموجب هذا الأمر.. والعبرة في النتائج وقد حسم الرئيس الحريري الخيار مؤكداً أنه »اذا وقعنا في التفاصيل وموقف هذا الفريق وذاك لن يتقدم البلد، بل علينا البحث عن الأمور التي تجمعنا..«.