IMLebanon

صفحة إنجاز القانون طُويت… وصفحة تركيب التحالفات فُتحت

بعد سنوات من المُماطلة والتسويف، وبعد أشهر من «شدّ الحبال» المُتبادل، أطلّ قانون الإنتخابات النيابيّة الجديد قبل أيّام قليلة من إنتهاء المُهل الدُستوريّة، والسبب حجم التنازلات التي جرى تقديمها من قبل أكثر من طرف كان له «كلمة فصل» في خلال مرحلة صياغة وتحضير بنود قانون الإنتخابات، وفق مبدأ التصويت النسبي الكامل ولبنان 15 دائرة. وكما كان مُتوقّعًا، جرى التمديد للمجلس النيابي لمدّة 11 شهرًا، ولوّ تحت حجّة الضرورات التقنيّة، على أن تجري الإنتخابات في 6 أيّار 2018 .

وفي هذا السياق، فنّد مصدر سياسي مُطلع ما جاء في بنود قانون الإنتخابات النيابيّة الجديد، بالقول إنّ «التيّار الوطني الحُر» تخلّى عن الكثير من المَطالب التي رفعها، ومنها على سبيل المثال لا الحصر مسألة نقل مجموعة من المقاعد حيث جرى الإكتفاء بنقل مقعد الأقليّات من دائرة بيروت الثانية إلى دائرة بيروت الأولى الأمر الذي أثار حفيظة حزب «الطاشناق»، ومسألة تصويت العسكريّين حيث يحظى «التيّار» بنسبة تأييد عالية في صفوفهم، ومسألة رفع عتبة نجاح اللائحة حيث أنّ نجاح هذه الأخيرة سيكون وفق «الحاصل الإنتخابي» المُعتمد عالميًا، والذي يتمثّل في عدد المُقترعين مقسومًا على عدد المقاعد في كل دائرة إنتخابيّة. كما فشل «التيّار» بحسب تقييم المصدر نفسه في تخصيص مقاعد للمُغتربين، وإن كان القانون لحظ هذا الأمر إعتبارًا من الدورة التالية، لجهة زيادة 6 مقاعد قبل إنتزاعها مع 6 أخرى من المقاعد النيابية الحالية في الدورة الإنتخابية التي تلي والمُفترض أن تتم في العام 2026! ولم ينجح «التيّار» في عدم تأجيل الإنتخابات كثيرًا، ولا في تمرير مطلب فرض «كوتا» نسائيّة تكفل وصول مجموعة مُحدّدة من النساء إلى المجلس النيابي، ولا في خفض سنّ الإقتراع من 21 إلى 18 سنة، ولا في إعتماد «القيد الطائفي» في أي صيغة إنتخابيّة أو على مُستوى إحتساب الأصوات، إلخ.

وإذ لفت المصدر السياسي نفسه إلى أنّ وزير الخارجية جبران باسيل الذي قاد دفّة المُفاوضات من جانب «التيّار»، وإستفاد من مسألة تصغير الدوائر الإنتخابيّة وتقسيم لبنان إلى 15 دائرة، شأنه شأن بعض القوى السياسيّة الأخرى، نجح خُصوصًا في إنتزاع المُوافقة على أن يكون «الصوت التفضيلي» الذي طالب به من البداية، وفق القضاء وليس وفق الدائرة الإنتخابيّة، ما يعني عمليًا أنّ باسيل سيحصل على لقب سعادة النائب في الدورة الإنتخابيّة المُقبلة، بعد أن كان قد فشل بذلك مرّتين مُتتاليتين وفق إنتخابات التصويت الأكثري. وأوضح المصدر أنّ كل الإحصاءات تؤكّد الموقع الطليعي الذي يتمتّع به باسيل حاليًا في مدينة البترون، والموقع القوي على مُستوى القضاء ككل، وهو أمر يحتاجه باسيل بعد تصنيف كل من بشري وزغرتا والكورة والبترون كدائرة إنتخابيّة واحدة، علمًا أنّ الثقل «البُرتقالي» في هذه الدائرة ليس مُتفوّقًا كما في دوائر إنتخابيّة أخرى.

ولفت المصدر نفسه إلى أنّه كلّما كان الإلتزام الحزبي كبيرًا بالصوت التفضيلي، كلّما كانت فرص مُطلق أي مُرشّح على لائحة قويّة بالفوز كبيرة أيضًا، مُشيرًا إلى أنّ هذا الأمر محسوم لدى «حزب الله» مثلاً حيث إلتزام المُناصرين لا غُبار عليه. وأضاف أنّ من بين الأحزاب التي تتمتّع بقدرة على تأمين إلتزام مُناصريها بإسم مُحدّد، «القوّات اللبنانيّة» وكذلك «الطاشناق». وبالنسبة إلى مدى إلتزام أنصار «التيار الوطني الحُرّ»، أشار المصدر إلى أنّ «التيّار» يُواجه أكثر من مُستوى نُفوذ داخلي، ويُعاني من وُجود العديد من الشخصيّات التي تُعتبر على يمينه أو يساره وليست مُنضوية ضُمن تركيبته الحزبيّة النظاميّة، وبالتالي ما لم يتم تركيب لوائح مدروسة بعناية لتمثيل نُفوذ كل من باسيل ومُعارضيه الذين لم يستقيلوا من «التيّار» وحتى نُفوذ العميد المُتقاعد شامل روكز، فإنّ الكثير من أصوات مُحبّي «الجنرال» ميشال عون ستتشتّت ولن يكون من المُمكن توحيد «الصوت التفضيلي».

وعن التقسيمات التي جرى التوافق عليها، رأى المصدر السياسي أنّ بعض المُراقبين أخذ على هذه التقسيمات عدم إعتمادها معيارًا واحدًا، حيث نجد مثلاً زحلة كدائرة مُستقلّة، بينما نجد كلا من بشري وزغرتا والكورة والبترون في دائرة واحدة. وأضاف أنّ من المآخذ أيضًا تقسيم بيروت إلى دائرتين أولى بأغلبيّة مسيحيّة صرف وثانية بأغلبيّة إسلامية صرف، في عودة إلى زمن الإنقسام بين «شرقيّة» و«غربيّة». وتابع المصدر نفسه أنّ من بين المآخذ على التقسيمات أيضًا وأيضًا، مُراعاة مطالب بعض القوى وتجاهل مطالب قوى أخرى، حيث جرى دمج الشوف وعاليه لما فيه مصلحة النائب وليد جنبلاط، وترك بعبدا وحيدة بعكس ما كان يرغب مثلاً النائب طلال أرسلان. وأضاف أنّه من خلال حصر «الصوت التفضيلي» في القضاء، جرى عزل تأثير ناخبي جزّين عن ناخبي صيدا مثلاً، لصالح «تيّار المُستقبل» الذي لا يُريد أن يؤثّر ناخبو جزّين الشيعة على نتائج مدينة صيدا، إلخ.

من جهة أخرى، أشار المصدر السياسي إلى أنّ منع رؤساء البلديّات من الترشّح في الإنتخابات النيابيّة ما لم يُقدّموا إستقالتهم من منصبهم قبل سنتين من موعد الإنتخابات، وليس قبل ستة أشهر كما هي الحال مع موظّفي القطاع الرسمي مثلاً، يهدف إلى قطع الطريق على شخصيّات بلديّة مُحدّدة تتمتّع بشعبيّة واسعة في منطقتها، وهي تُشكّل تهديدًا لكثير من المُرشّحين فيها، مُوضحًا أنّ من بين هذه الشخصيّات رئيس بلديّة جبيل زياد حوّاط على سبيل المثال لا الحصر، والذي يرغب «التيار» بمنعه من الوصول إلى البرلمان.

وختم المصدر السياسي نفسه كلامه بالقول إنّ الإنجازات الكبرى التي تحقّقت تتمثّل في سقوط إحتمال إجراء الإنتخابات وفق القانون النافذ، وفي الإنتقال من مبدأ التصويت الأكثري إلى مبدأ التصويت النسبي، وكذلك في مكننة الإنتخابات وإعتماد البطاقة المُمغنطة للتصويت، إلخ. وقال إنّ صفحة إنجاز القانون طُويت… وصفحة تركيب التحالفات فُتحت، ما يعني أنّ الأشهر المُقبلة الفاصلة عن موعد تنظيم الإنتخابات والتي هي طويلة، ستحمل الكثير من الحسابات الدقيقة لتركيب لوائح قادرة على إيصال أكبر عدد مُمكن من مُرشّحيها، في ظلّ إحتمالات كبيرة أن يتمّ اللجوء إلى لوائح «الشريك المُضارب» في أكثر من دائرة، لإقفال الطريق قدر المُستطاع على طموحات بعض المُرشّحين غير المُنتمين إلى «المَحادل الإنتخابيّة الحزبيّة».