IMLebanon

عيدٌ بأيّ حال عدتَ يا عيدُ

 

إنّ مفهوم الاستقلال في القانون الدولي يعتبر إستقلال الدولة واحداً من الشروط الضرورية للإعتراف بشرعيتها، لا بل هو شرط في تعريف الدولة. لكن في لبنان الاستقلال صُوَري وبعيد كل البُعد عن المنطق القانوني ويتناقض مع مبادئ السيادة التامة والناجزة المعترف بها بين الدول بموجب ميثاق جامعة الدول العربية ومنظمة الأمم المتحدة. إنّ الإستقلال في لبنان هو أمر غير موجود ولا عدالة تسود الأراضي اللبنانية، ولا يوجد حالات تعزيز وتشجيع إحترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية دون أي تمييز.

يشترط علم السياسة أن تتمتع المؤسسات الوطنية الشرعية في القانون بالاستقلالية والعضوية والعمل السياسي والسيطرة التامة وفقاً للقوانين المرعية الإجـراء على كل موارد الدولة، كما يتطلب الاستقلال الحقيقي تفكيراً نيِّراً ومستقلاً بالإضافة إلى المتطلبات الرسمية للاستقلالية المنصوص عليها في شرعة حقوق الإنسان. على الرغم من أنّ الساسة في لبنان يتغنّون أن لبنان مستقل فإنّ الواقع يعكُس ما يُسوّقون له، فالمؤسسات الرسمية المدنية وحتى العسكرية إضافةً إلى القضاء غير مستقلّين للأسف ويعملون بشكل إملائي تحت سطوة سلطات الأمر الواقع، ويكفي أنْ نستشهد بما قاله دولة رئيس مجلس الوزراء حينما سُئِلَ عن واقع الأمور فكانت إجابته وعلى ذمة ناشري الخبر «لسنا نحن من يقرِّر».

 

إنّ الاستقلال الحقيقي وفق العلم السياسي وإستناداً لخبرتنا المتواضعة هو أمــر أساسي لنجاح ومصداقية المؤسسات الرسمية ولكن أمور مؤسسات الدولة متعثِّرة فلا كهرباء ولا ماء ولا طرقات ولا وظائف وكل مستلزمات الحياة غير متوفرة في لبنان ويتزامن معها تناقل الاتهامات بين الساسة والنتيجة لا يمكن لأي مؤسسة من المؤسسات الرسمية اللبنانية أن تعمل بإنتظام في ظل هذا الإطباق عليها وتقليص صلاحياتها والتدخّل في أمورها.

أسمح لنفسي أن أستشهد بدراسة أعدّها أحد أعمدة الدكاترة في الجامعة اللبنانية وأحد أبرز أعضاء «مؤسسي مراكز الأبحاث في لبنان والعالم» عما أعدّه في دراسته عن الشروط المطلوبة لأي دولة مستقلة وسأكتفي بذكر بعض عناوينها التي تنسجم مع الواقع حيث يذكر أنّ المدخل إلى الإستقلال الحقيقي يتطلب إدراك المفاهيم الأساسية لهذا الاستقلال والتي تستند على: المؤسسات الشرعية الديمقراطية – الحريات الأساسية وحقوق الإنسان – سيادة القضاء – فصل السلطات الديمقراطية المباشرة والتمثيلية – المؤسسات العسكرية الشرعية… وليستطرد في أحد الأبواب سائلاً: كيف يبدو الإستقلال في لبنان؟ أنه إستقلال مزّيف وهو عبارة عن نظام غير موجود مسيّر وفقاً لأهواء مشغلّيه.

 

إستنادًا لواقع الأمور في لبنان تدار إدارة الدولة في ظل الإستقلال الحالي بالكراهية والمصلحة الشخصية، بدلاً من الإسترشاد بمبادئ الحكم الرشيد والرفاهية العامة ورفاهية الشعب. في ظل هذا الإستقلال ينعدم تنفيذ السياسات الكفوءة والفاعلة وينعدم تقديم الخدمات العامة، ولا سيادة وطنية، ولا سيادة للقانون، ولا مناقشات بنّاءة بل تسويات وحلول مبنية على التحديات بين المكونات السياسية.

الإستقلال الحقيقي مفقود لأنّ الساسة في لبنان لا ينظرون إلى أدوارهم كموظفين عموميين مكرّسين لخدمة المصالح الفضلى للشعب اللبناني، والحاصل أنهم يعملون لأجنداتهم الخاصة وإثراء أنفسهم وأصبح شعبنا مُشرّد على أرصفة الأمم بعدما سرق الساسة مدخراته وأفقروا الخزينة من إحتياطها.

الإستقلال الحقيقي مفقود لأنّ الساسة وعفواً ولكن هذا هو واقع الحال لا يتمتّعون بسلوك أخلاقي حَسَن وجميعهم يتميّزون بأخلاق نتنة يُحاربون بعضهم البعض ولا نزاهة ولا صدق ولا شفافية في أفعالهم وقراراتهم، وسلوكهم في الدولة هو سلوك لمنفعة خاصة ولتحقيق مكاسب شخصية وسياسية وتنفيذ قرارات الغريب.

الإستقلال الحقيقي مفقود لأنّ الساسة ينتهكون سيادة القانون، فأي مؤسسة أو أي وزارة تحت ستار القانون؟ أفرغوها وعطّلوها وأنهكوها بكيديتهم ومصالحهم الشخصية، وعلمياً لا تطبيق للقوانين وللأنظمة، وكلهم يحتالون على القوانين ويُسيِّسون القرارات خلافًا لأي منطق قانوني… ساسة عمدوا إلى رسم منظومة إستنسابية إستقطابية تعيق التقدّم وتقوّض ثقة الشعب في الدولة ومؤسساتها.

لكي يكون للإستقلال معناه الحقيقي، وهذا الكلام موّجه للأشخاص المستقلين المتحررين من ساسة الأمر الواقع الذين أفرغوا الإستقلال من واقعه القانوني، عليكم أيها المناضلون العمل للحق وللإستقلال الناجز وهدفنا هو خلق ثقافة سياسية تعطي الأمل لشعبنا ولدولتنا الأولوّية والعمل معاً لمواجهة التحديات القائمة بروح من التعاون والإحترام، وإلّا تكون مقالة الإستقلال في العام المقبل في نفس المنطق والتوصيف… علينا وعليكم يقع خيار النضال الشريف وكل إستقلال ولبنان بألف خير.

* كاتب وباحث سياسي