يُعرّف الحياد على أنه الوضع القانوني الناجم عن إمتناع دولة عن المشاركة في حرب مع دول اخرى، واعتراف المتحاربين به وعدم التحيّز، وقد شدّد قرار صادر عن الأمم المتحدة على أن سياسات الحياد الوطنية التي تتّبعها بعض الدول يمكن أن تسهم في تعزيز السلم والأمن الدوليين وتؤدي دوراً هاماً في إقامة علاقات متبادلة المنفعة فيما بين دول العالم.
ونصّ الميثاق الوطني وهو الإتفاق غير المكتوب التي نظّم أسس الحكم في لبنان عام 1943 وما زال يؤثر في سياستها حالياً، وبعد المفاوضات بين قيادات الشيعة والسنية والمارونية، على قبول الموارنة الهوية العربية بدلاً من الهوية الغربية، مقابل تخلّي المسلمين عن مطلب الوحدة مع سوريا.
ومؤخراً، عُقد في لبنان مؤتمر «معراب – 2» الذي خُصّص للتشديد على أهمية تطبيق القرارات الدولية، 1559 و1680 و1701 ، وذلك من أجل لبنان وتقوية الدولة فيه وإخراجه من المُستنقع الذي وضعته فيه جهات سياسية – عسكرية إرتأت أن تأخذ دور السلطة الشرعية في إعلان الحرب. وفات المشاركون في المؤتمر الإشارة إلى نقطة أساسية تشكّل مرتكز قيام جمهورية ديموقراطية مُستقلّة.
عنينا مفهوم «الحياد»، الذي سبق وأن جرى التطرّق إليه في العهود والحقبات السابقة دون أن يلقى الترجمة الفعلية، مع إستثناء الحياد في موضوع الصراع مع العدو الإسرائيلي طبعاً.
وفي 11 حزيران 2012، صدر عن هيئة الحوار الوطني في القصر الجمهوري برئاسة رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان بيان مكتوب أُطلق عليه «إعلان بعبدا»، تمّ خلاله التوافق على عدد من البنود، وأبرزها تحييد لبنان عن سياسة المحاور والصراعات الإقليميّة والدوليّة وتجنيبه الانعكاسات السلبيّة للتوتّرات والأزمات الإقليميّة، وذلك حرصاً على مصلحته العليا ووحدته الوطنيّة وسلمه الأهلي، ما عدا ما يتعلق بواجب إلتزام قرارات الشرعيّة الدوليّة والإجماع العربي والقضيّة الفلسطينيّة المحقّة، بما في ذلك حقّ اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى أرضهم وديارهم وعدم توطينهم.
كما نصّ الإعلان على تأكيد الثقة بلبنان كوطن نهائي وبصيغة العيش المشترك وبضرورة التمسّك بالمبادئ الواردة في مقدمة الدستور بصفتها مبادئ تأسيسيّة ثابتة، وإتفاق الطائف ومواصلة تنفيذ كامل بنوده، وأيضاً على إلتزام القرارات الدولية، بما في ذلك القرار 1701.
وكان البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الرّاعي، جدّد في إحدى عظات الأحد، ما أعلنه في خطاب سابق حين شدّد على حياد البلاد الإيجابي، لكي ينقّي هويته مما شابها من التشويه، ويستعيد «بهاءه»، ولكي يتمكن من أداء رسالته كوطن لحوار الثقافات والأديان.
وأكد البطريرك الرّاعي أن هذا الحياد يمكّن لبنان من تجنّب النزاعات والحروب إقليمياً ودولياً، ويمكّنه من أن يحصّن سيادته الداخلية والخارجية بقواه العسكرية الذاتية.
كما كرّر المطالبة بعقد مؤتمر دولي خاص بلبنان برعاية الأمم المتحدة، «بسبب عجز الجماعة السياسية عندنا عن اللقاء والتفاهم والحوار وتشخيص المرض الذي شلّ الدولة بمؤسساتها الدستورية وخزينتها واقتصادها وماليتها، فتفككت أوصالها، ووقع الشعب الضحية جوعا وفقرا وبطالة وقهرا وحرمانا».
وهنا تستغرب مصادر سياسية رفيعة عدم ذكر «إعلان بعبدا» في المؤتمرات والمواقف والتصاريح المواكبة لعدوان الكيان الصهيوني على لبنان، خصوصاً وأنه لقي إجماع القوى السياسية كافّةً، قبل أن يتنصّل منه حزب الله فيما بعد عبر قول مسؤولين فيه «بلّوه وشربوا مياهه»، وتالياً يجدر بالأطراف التي تسمّي نفسها بالسيادية أن تعود لمندرجات ونصوص هذه الوثيقة التي أُدرجت في كلّ من جامعة الدول العربية والأمم المتحدة، وباتت وثيقة لبنانية – عربية – دولية تضع مرتكزات السيادة الفعلية والاستقلال الناجز، داعيةً إلى تسويقها لدى المحافل العالمية لوقف إطلاق النار.
على القيادات السياسية في البلاد إنتهاج «الحياد» في المقاربات تجاه الأخطار المحيطة بلبنان، وخصوصاً أننا وسط منطقة مُلتهبة وحيث الصراع الإقليمي والدولي آخذ بالتصاعد.