يستحوذ مشروع الموازنة للعام 2017 على اهتمام خاص، على اعتبار انها ستكون اول موازنة منذ 2005، وتأتي في توقيت استثنائي. من جهة ستواكب الموازنة العهد الجديد، ومن جهة ثانية يفترض ان تؤدي وظيفة معالجة مستويات العجز المقلقة في المالية العامة. ويبدو ان الضرائب هي بيت القصيد، في التجاذبات حول هذا المشروع.
تؤدّي الضرائب، من حيث المبدأ، وظيفة أساسية من حيث اعادة توزيع الثروات في المجتمعات والدول. تشكّل الضرائب في بعض الدول مصدر الدخل الاول للخزينة (45% من الناتج المحلي في فرنسا)، في حين انها تكاد تكون معدومة في دول أخرى (صفر في المئة من الناتج في السعودية).
يتم بناء السياسة الضرائبية في الدول، وفق سياسات مختلفة، ترتبط بالرؤية الاقتصادية التي تختارها كل سلطة. وفي الخيارات تتم مراعاة مسألتين:
الاولى – مروحة الخدمات والتقديمات والرعاية التي تنوي السلطة القيام بها حيال مواطنيها.
ثانيا – الطريقة المثلى للحصول على الاموال.
في المسألة الاولى، تختلف سياسات الدول. هناك نماذج قريبة الى الانظمة الاشتراكية، مثل الوضع في الدول الاسكندينافية، وهناك أنظمة ديمقراطية متحررة اكثر من تقديم الرعاية، وتعتمد على القطاع الخاص لتأمين ذلك، كما هي الحال في بريطانيا مثلا.
في المسألة الثانية، يحتاج القرار الى دراسات اقتصادية معمّقة، لمعرفة امكانات الدولة وقدراتها على جذب الاستثمارات او العكس استنادا الى السياسة الضرائبية. وعلى كل دولة ان تدرس نقاط القوة والضعف لديها لكي تبني على الشيء مقتضاه.
على سبيل المثال، تعتمد فرنسا نظاما ضرائبيا قاسيا، يكاد لا يضاهيه اي نظام ضرائبي آخر من حيث النسب التي تقتطعها الدولة كضرائب من المؤسسات والافراد. هذه السياسة تستند الى نظرية ان فرنسا لديها نقاط قوة عدة، ابرزها في القطاع السياحي.
وهي الدولة السياحية الاولى في العالم. وبالتالي، فان جذب الاستثمارات السياحية رغم ارتفاع الضرائب من الامور المتاحة بسهولة. بالاضافة الى المداخيل التي يؤمّنها القطاع. في المقابل، تعتمد فرنسا سياسة رعاية اجتماعية سخية، لا يوجد مثيلٌ لها في معظم الدول الديمقراطية.
لكن في كل الحالات، تحرص السياسة الضرائبية التي تضعها الدول على تأمين حد أدنى من العدالة، من خلال ما يُعرف بالضريبة التصاعدية على الارباح، الانفاق (الضريبة على القيمة المضافة) والثروات.
في لبنان، لم تتفق السلطة السياسية منذ نيل الاستقلال حتى اليوم، على فلسفة السياسة الضرائبية، وما هي نقاط القوة والضعف في البلد لكي يُبنى على الشيء مقتضاه. وهذا ما يفسّر «الانقلابات» الضرائبية التي تشهدها البلاد كل فترة. ومن المعروف، ان واحدة من نقاط الاعاقة في اقتصاد اي دولة، ان تكون السياسة الضرائبية غير ثابتة، ومزاجية الى حد ما.
هذا الواقع يقود الى الحديث عن مشروع الموازنة الذي يتضمّن مجموعة جديدة من الضرائب لتحسين الايرادات. ويتبين من الارقام السابقة ان حوالي 70 في المئة من ايرادات الخزينة تأتي من الضرائب على مختلف انواعها. اي حوالي 6 مليارات دولار تقريبا. واذا احتسبنا هذا المبلغ على الناتج المحلي المقدّر بحوالي 50 مليار دولار، يتبين ان ايرادات الضرائب تشكل حوالى 9 في المئة من الناتج. هل هذا الرقم مرتفع ام منخفض؟
الحسابات النسبية في الضرائب لا يمكن أن تتم فقط من خلال مقارنتها مع ارقام دول أخرى. اذا قارنا هذا الرقم مع دولة الامارات العربية المتحدة مثلا، سنجد انه مرتفع، على اعتبار ان ايرادات الضرائب على الناتج المحلي في الامارات هي حوالي 1.4 في المئة فقط. واذا قارنا الرقم مع المانيا سنجد انه منخفض جدا. اذ تشكل ايرادات الضرائب على الناتج الالماني حوالي 41 في المئة.
لماذا لا تجوز المقارنة، ولماذا ليس في الامكان الادعاء، انه ما دامت الدول الديمقراطية الصناعية تعتمد هذه النسب المرتفعة من الايرادات الضرائبية، لماذا لا يستطيع لبنان ان يحصّن ماليته المتهالكة برفع هذه النسبة مثلا من 9 الى 18 في المئة، لتصبح الايرادات الضرائبية حوالي 12 مليار دولار سنويا، بما يؤمّن التوزان تقريبا بين الانفاق والمداخيل، ويقضي على العجز؟
الجواب من شقين:
اولا، لأن النسب المرتفعة التي تعتمدها الدول المتقدمة، تستند في القسم الاكبر منها على نمو الثروات والارباح بحيث ان الشطور المرتفعة على الارباح الهائلة هي التي تصنع الفرق.
وثانيا، لأن الرعاية الاجتماعية على كل مستويات الحياة اليومية، والمداخيل الفردية اللائقة والكافية، هي التي تسمح بأن يصل الاقتطاع الضريبي الى 51% من دخل الفرد في اليابان، و39,6% من دخل المواطن في الولايات المتحدة الاميركية، و13% في روسيا.
في الخلاصة، لا يمكن اعتماد سياسة ضرائبية غامضة غب الطلب، كلما احتاجت الدولة الى اموال، لجأت الى تبديل ضرائبي، وفرض ضرائب جديدة. ينبغي وضع خطة مالية واقتصادية، بعد دراسة المعطيات المتوفرة في البلد. وينبغي، ان يكون توزيع الثروة من خلال الضرائب فعالاً وعادلاً لكي تأتي اي خطة ضرائبية الثمار المرجوة منها.
الايرادات الضرائبية قياسا بالناتج المحلي:
فرنسا 45%
المانيا 41%
بريطانيا 39%
البرازيل 34%
روسيا 29%
اليابان 28%
الولايات المتحدة 27%
الهند 18%
الصين 17%
الامارات 1.4%
نسبة الاقتطاع الضريبي من الدخل الفردي
اليابان 51%
فرنسا 50.3%
المانيا 45%
بريطانيا 45%
الصين 45%
الولايات المتحدة 39.6%
تركيا 35%
الهند 34%
روسيا 13%
السعودية صفر%