IMLebanon

هواجس المسيحيين تبدّدها الأفعال لا الكلام

مهما حاول اللبنانيون، التظاهر بالقوة والتحدّي واللامبالاة بوجه التحديات الكبيرة والاخطار التي تعصف بوطنهم، فان القلق على المستقبل والمصير له مكان واسع في تفكيرهم وهواجسهم وحساباتهم، حتى عند من يملك منهم السلاح والقوة المفرطة، الا ان الحصة الاكبر من القلق «يتمتع» بها المسيحيون على اختلاف مذاهبهم، هذا ان لم نقل على اختلاف قبائلهم، وهذا اذا تبنيّنا وصف النائب وليد جنبلاط لهم ـ وانا اتبنّاه ـ بأن المسيحيين في لبنان وخصوصاً الموارنة اصبحوا، مع الدروز أشبه بالهنود الحمر. والكل يعرف ماذا فعل المستعمرون البيض، بالهنود الحمر، اهل البلاد الاصليين في ما يعرف اليوم، بالولايات المتحدة الاميركية، حيث قتل منهم الكثير الكثير، ومن كتبت لهم الحياة، حشروهم في مخيمات، يعانون البرد والصقيع والجوع، وفقدان الحرية والكرامة.

الاسباب التي عملت سابقاً، بجدّ ونشاط، على تحويل المسيحيين من شعب اصلي واصيل على هذه الارض، يعيش بحرّية وعنفوان وكرامة واستقلال، الى شراذم مستفردة، ارضه وحقوقه ودماؤه، مستباحة، ما زالت قائمة ونشيطة، ولو انها تعمل بصور ووجوه مختلفة. وحتى لا نفتح دفاتر الماضي الاسود الذي يتحمّل المسيحيون جزءاً مهماً مما لحق بهم من سوء، اريد أن اركّز على الوضع المسيحي في هذه الايام التي يعتبرها جميع المحللين والكتّاب والسياسيين، انها الاصعب في تاريخ لبنان وفي تاريخ المسيحيين.

****

لم يشهد المسيحيون طول فترة الحرب، وحتى في مراحل تهجيرهم من الجبل وشرق صيدا وبيروت، والبقاع وبعض الشمال والضاحية، هذه الهجمة المبرمجة من الشريك المسلم بجناحيه السنّي والشيعي، على الارض التي يملكها مسيحيون في الدرجة الاولى، وموحدون دروز في الدرجة الثانية، اما بالشراء بسبب الحاجة، او بسبب الامر الواقع الناتج عن تهجيرهم، واما بالاحتلال ووضع اليد بالقوة. اما بالنسبة الى استبعاد المسيحيين عن وزارات الدولة ومؤسساتها، فهذه قصّة مخزية لا تليق ولا تتآخى مع منطق الشراكة والمناصفة والعيش الواحد. والكلام الذي يصدر عن الشريك في الوطن، حول هذه الثوابت التي اكدها الدستور، لا قيمة له ولا ترجمة على ارض الواقع، والانكى من كل هذا ان موارد الدولة وخدماتها التنموية والاجتماعية والتربوية والصحية والزراعية وغيرها، تعطى للمسيحيين بالقطّارة، وتعطى للآخرين المحظوظين بالرطل. واريد في هذه المناسبة ان اشير الى ان ما عرضته سابقاً ليس من عندياتي، بل هو جزء صغير جداً من الدراسات والاحصاءات التي قامت بها مؤسسات مسيحية معنية، وفي مقدمها الرابطة المارونية التي وضعت كتاباً موثقاً بالارقام والتواريخ والاسماء، يمكن لاي كان الاطلاع عليه والرجوع اليه، ليتأكد من الثغرة الواسعة جداً والتي تتسع يومياً، بحيث قد نصل الى يوم، لا نجد فيه «حيط عمار» بين الطوائف التي يتشكل منها الشعب اللبناني.

*****

هذه الصورة السوداء، ليست بشيء امام شعور المسيحيين، بان الارض تميد بهم بنزوح الملايين الى ارض تضيق اصلاً باهلها واصحابها، فكيف اذا كان هؤلاء يحملون معهم فكراً تكفيرياً ارهابيا الى جانب السلاح، والنيّة في استعماله ضد اللبنانيين، من يحمل منهم السلاح، ومن لا يحمل، يضاف اليهم تهديدات اسرائيل بتدمير لبنان واعادته مئة سنة الى الوراء، وعندما يتذكر المسيحيون ان منصب الرئاسة الاولى المحسوب انه لهم، مهدد بالضياع، بعدما «نتفوا» صلاحياته، يكتمل عندهم المشهد الدرامي الذي يلوح لهم بالافق، فيباركون بنسبة 95 بالمئة، حوار حزب القوات اللبنانية مع التيار الوطني الحر، ويتضرعون الى الله ان يبعد اولاد الحرام، المتضررين من الحوار ومن نجاحه، وهم كثر، كما يأملون ان تشارك الاحزاب الاخرى والتيارات والشخصيات بنتائج هذا الحوار، ويذهب الجميع الى حوار وطني موّسع، يتم فيه وضع النقاط على الحروف بصدق وصراحة واخلاص وشجاعة، على شاكلة ما جرى في عاميّة انطلياس من تفاهم وتعاون على العيش في لبنان جديد، آمن ومستقر، العدل فيه هو الحاكم.