مع الزيارة التي يقوم بها رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط اليوم الى معراب والاجتماع مع رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع، يفترض أن يكون قد أنهى جولته على كافة الفرقاء السياسيين في البلد وتحديداً الأقطاب الموارنة الأربعة الذين بحث معهم، كما رشحت المعلومات التي تسرّبت عن مضامين هذه اللقاءات، سبل الخروج من أزمة الشغور الرئاسي التي يبدو أن لا حلّ لها في الأفق القريب، ومردّ ذلك تارة إلى الحسابات الاقليمية وطوراً بسبب الخلافات الداخلية.
وفي حين أن جنبلاط عبّر بصراحة أنه لا يريد أن يوصف بأنه «بيضة القبّان» لأسباب عدة أهمها عدم تصويره انطلاقاً من هذا التوصيف بأنه يعرقل التوافق على انتخاب رئيس عتيد للجمهورية، إلا أن المتابع لحراكه السياسي يقف متأملاً واقعاً أثبت أهميته في هذه المرحلة الحرجة من تاريخ لبنان السياسي: وليد جنبلاط ليس بيضة قبّان نظراً إلى وزنه السياسي ومحورية الدور الذي يلعبه فحسب، بل يكاد يكون «همزة الوصل» الوحيدة في البلد بنتيجة تواصله مع جميع الفرقاء السياسيين المنقسمين عمودياً.
وتقول أوساط جنبلاط إن «رئيس اللقاء الديموقراطي يجتمع مع أقطاب فريق 8 آذار المسيحيين، من العماد ميشال عون إلى النائب سليمان فرنجية، ومع المحرّك الرئيس لهذا الفريق الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، ناهيك عن صداقته اللدودة مع الرئيس نبيه بري، كما هو على تواصل دائم مع أقطاب المقلب الآخر في فريق 14 آذار بدءاً من الرئيس سعد الحريري مروراً بالرئيس أمين الجميل والشخصيات المسيحية المستقلة في هذا الفريق، واليوم يجتمع إلى جعجع الذي يعتبر أحد الأركان البارزين في هذا الفريق«، مشيرة إلى أن «لا أحد من القادة السياسيين في البلد قادر على الاستحواذ على هذا الهامش من الحراك السياسي».
وبحسب الأوساط، كان جنبلاط خلال اجتماعاته مع الأقطاب الموارنة «مستمعاً إلى نظرتهم إلى الأزمة الرئاسية ورؤيتهم للوضع اللبناني المرتبط ارتباطاً عضوياً بالتطورات الاقليمية وخصوصاً المجاورة ومدى تأثير هذه الأوضاع في الداخل اللبناني»، مشيرة إلى أنه «كان يشدّد على ضرورة التوصّل إلى توافق داخلي على مرشح اعتدال ووسطية يُخرج البلد من الجمود الذي يعانيه نتيجة غياب رأس الدولة».
وتعتبر الأوساط أنه خلافاً لما يتم تسريبه من حين إلى آخر حول قيام جنبلاط بعرض تسوية على القادة الموارنة تقضي بالتوافق على انتخاب «رئيس انتقالي لفترة سنتين، بل ذهبت إلى حد تسمية العماد عون على أنه هذا الرئيس الانتقالي، إلا أن حقيقة الأمر أبسط من ذلك بكثير، فجنبلاط ليس في هذا الوارد خصوصاً أن دون تطبيق هذا الأمر عقبتين، الأولى قانونية ودستورية وتتعلّق بتعديل الدستور وتأمين النصاب اللازم لذلك، والثانية الحساسية المارونية تجاه هذه المسألة، فتقليص مدة الرئاسة يعني الانتقاص من حجم الموقع الماروني وأهميته، وجنبلاط ليس في وارد الدخول في مثل هذا البازار».
وعمّا درج على تسميته بـ «الفرص الضائعة»، تشدّد الأوساط على أنّ اللبنانيين مدعوون وفقاً لجنبلاط إلى «تجميد الخلافات الداخلية لكي نتمكن من اغتنام فرصة انشغال العالم بالحرب المشبوهة ضد تنظيم الدولة الاسلامية في العراق والشام، والتفاهم على الحد الأدنى من التسوية الداخلية التي تفضي إلى التفاهم على انتخاب رئيس للجمهورية».
وهل أنّ التفاهم يعني استبعاد مرشح «اللقاء الديموقراطي» النائب هنري حلو، تجيب الأوساط ان جنبلاط كان أكثر من واضح في هذه المسألة حين أكّد أنه «لن يكون عائقاً أمام التفاهم على الرئيس العتيد، لكنه متمسّك بالنائب هنري حلو لما يملكه من حيثية شخصية وتاريخية تجعله مرشّحاً طبيعياً للموقع الماروني الأول، تماماً مثل باقي المرشحين لهذا المنصب العلنيين منهم والمستترين».
وتضيف أنه «انطلاقاً من هذا الواقع، يرفض جنبلاط تسميته بيضة القبان لعدم تحميله أكثر مما يحتمل، فحسابياً، كتلة اللقاء الديموقراطي المؤلفة من 11 نائباً لن تقدّم أو تؤخّر في عملية تأمين النصاب الضروري لانعقاد جلسة الانتخاب وهي التي تستوجب حضور 86 نائباً، فإذا اتفق فريقا 8 و14 آذار، فإن النصاب يتأمن تلقائياً، وإذا كان الاتفاق ينسحب على احتساب الأصوات، فإن اللقاء الديموقراطي أيضاً خارج المعادلة من حيث أن من يؤمن النصاب يؤمن الغالبية أيضاً».
لكن مع ذلك، يبقى جنبلاط رمزاً صعباً ومحورياً ونقطة التواصل شبه الوحيدة بين كافة الفرقاء في المجتمع السياسي اللبناني، وهو منذ انتقاله من فريق «14 آذار» الذي كان سبّاقاً في قيادته وإطلاقه عقب الزلزال الكبير الذي ضرب لبنان باغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وبعدما ذهب بعيداً في معارضته للنظام السوري ما أبعده كلياً عن فريق 8 آذار المرتمي في أحضان هذا النظام، اتخذ مواقف بدت لوهلة أنها تصب في خانة فريق أو ضد فريق آخر، غير أن جنبلاط المعروف بامتلاكه حدساً سياسياً دقيقاً وقراءة جيدة لتطورات الوضع الاقليمي والعالمي، تمركز في الوسط وعاود علاقاته مع الفريقين انطلاقاً من موقعه الجديد، لا بل أنه في فترة معينة تبلورت احتمالات بأن ينجح جنبلاط في تشكيل ائتلاف وسطي واسع يضم قوى من الفريقين بغية إنهاء الانقسام العمودي والخروج من الاصطفافات التي عاقت وتعوق العديد من الاستحقاقات الدستورية وفي مقدمها انتخاب رئيس للجمهورية.
يبقى أن الأوساط الجنبلاطية ختمت مازحة أنها تأمل أن «لا يكون جعجع قاطعاً في طعامه هذه الأيام وتكون سفرته غنية بالمازات المطيّبة للحوار الذي سيدور بين القطبين السياسيين، وأن يكون طبق الحلو في نهاية اللقاء، حلواً كما يشتهي الجميع».