تَضَارُب المصالح الدولية يحرم لبنان من المساعدة المطلوبة لمعالجة أزماته
عدم التجانس والثقة شبه المفقودة يجعلان مهمّة حكومة العهد الأولى صعبة
الحكومة مطالبة بإجراء عملية إصلاحية جدية في كل القطاعات وعدم الاكتفاء بالمراهم والعمليات التجميلية غير المجدية
يُفترض بالحكومة، بعد ان تنال ثقة المجلس النيابي، ان تشمّر عن ساعدها بدءاً من الأسبوع المقبل وتذهب إلى العمل لمقاربة الكمّ الهائل من الملفات التي تنتظرها والتي هي متوارثة من الحكومات التي سبقتها.
صحيح انه من المبكر إصدار الاحكام على هذه الحكومة حديثة العهد، غير ان ما ظهر من وقائع سياسية قبل وخلال وبعد ولادتها يدل بما لا يدعو إلى الشك على أن مكوناتها غير متجانسة في غالبيتها، لا بل هناك من المواقف التي أعلنت توحي بأن الثقة تكاد تكون مفقودة بين أكثر من طرف ممثّل فيها، وهذا الحال إن استمر على ما هو عليه فإنه يعني أننا ذاهبون لمشاهدة مناخات حكومية طبق الأصل عمّا سبق وهذا بحد ذاته يفرمل، إن لم نقل يعيق، الانطلاقة المرجوة من حكومة العهد الأولى، وفي حال حصل هذا الأمر فإن لبنان سيدفع فاتورة باهظة الثمن، سيما وان أكثر من جهة إقليمية ودولية أبلغت المسؤولين اللبنانيين بشكل حاسم وجازم بأن لبنان اليوم امام فرصة أخيرة، فإما ان يتجاوز الأزمة الاقتصادية والمالية التي تشد على خناقه يوماً بعد يوم، وإما ان يقع في هاوية لن يكون في مقدوره الخروج منها بسهولة.
هذا التحذير الخارجي الذي وصل إلى مسامع كل الأفرقاء في لبنان، البعض أخذه على محمل الجد، والبعض الآخر قلل من أهميته، وآخرون تجاهلونه بالكامل، وهذا يعني انه لا يوجد تُصوّر موحد لدى المسؤولين لوضع الخطط الملائمة لمعالجة الملفات المطروحة وهي آخذة في التراكم مما يصعّب على الحكومة مهمتها، إن على مستوى معالجة الملفين الاقتصادي والمالي أو إصلاح ما فسّر في الإدارة، ناهيك عن الملفات الإقليمية والدولية التي هي على صلة في بعض الجوانب منها بالواقع اللبناني.
إن ما يقال آنفاً لا يعني رسم صورة سوداوية عمّا سيكون عليه الوضع اللبناني مع قابل الأيام، بقدر ما هو تشخيص لوقائع نلمسها لمس اليد يومياً ونشاهدها عبر وسائل الإعلام، إذ ان أي ملف مهما صغر أو كبر يُهدّد بانفلات الأمور من عقالها بفعل النكايات السياسية والنكد الموجود عند كل الأفرقاء من دون استثناء، وقد صودف ان حصل تراشق سياسي عنيف حول ملف من الملفات التي فتحت بعد يوم أو يومين من تأليف الحكومة وكادت ان تقوم الدنيا ولا تقعد لولا مسارعة سعاة الخير إلى لملمة الوضع تحت حجج مختلفة من دون ان يعني ذلك ان الأوضاع عادت إلى طبيعتها بل انها تحوّلت إلى جمر تحت الرماد تظهر شراراته عند كل نسمة ريح.
وكان رئيس مجلس النواب نبيه برّي واضحاً تماماً بالأمس لجهة عدم اطمئنانه مئة في المئة للوضع الحكومي، إذ أكّد ان الحكومة امام اختبار ان تقرن الأقوال بالافعال وان لا مجال لتضييع الوقت، وزاد على ذلك بأنه «نقزان» من الكلام السياسي الذي سيقال في جلسة الثقة، كونه على دراية تامة بأن الوضع السياسي لم يتماثل بعد إلى الشفاء وهو ما زال غير صحي بالرغم من التسوية التي حصلت وأدت إلى تأمين ولادة الحكومة.
وبحسب زوّار الرئيس برّي فإنه بعث إلى من يعنيهم الأمر جملة تحذيرات من أي خطأ أو تقصير يحصل، باعتبار ان البلد لم يعد يحتمل المزيد من التشنج، خصوصاً وان الساحة الداخلية مقبلة على الكثير من الملفات الموجودة على رف الانتظار، ولذا فإن المجلس النيابي وحيال هذا الواقع سيكون امام ورشة تشريعية حقيقية وجدية بالإضافة إلى أخذ المجلس دوره الرقابي على عمل الحكومة التي سيكون لها المجلس بمثابة الرافعة لمساعدتها على القيام بأعمال سريعة ومستعجلة يأتي في طليعتها مشروع الموازنة العامة لهذا العام، بعد الاتفاق على تمرير الوقت إلى ان يحصل هذا الأمر من خلال الصرف على القاعدة الاثني عشرية.
في موازاة ذلك، فإن مصادر سياسية عليمة ترى في الاندفاعة الخارجية بإتجاه لبنان فأل خير، كون ان كل الموفدين الذين زاروا لبنان وكذلك الذين يتهيّأون لزيارته يحملون معهم ملفات تحوي رزمة من المساعدات للبنان، إلى جانب أفكار مساعدة له لإخراجه من أزماته على الصعد كافة.
وإذا كان هناك حرص من الجميع على عدم ربط الزيارات بعضها ببعض حتى لا يقال ان هذه الزيارة، هي ردّ أو تهدف إلى احتواء تلك الزيارة، بفعل حرب المحاور المندلعة في المنطقة، فإنه ليس من السهل فصل البعض منها خصوصاً وان القريب والبعيد يعرف ان هناك تنافساً واضحاً بين إيران والدول العربية تجاه لبنان، وقد ظهر ذلك جلياً من التصريحات والمواقف المعلنة والتي يشوبها الغموض في بعض الجوانب في دلالة واضحة على الارتباك الحاصل بفعل هذه الزحمة غير المسبوقة للموفدين الاقليميين والدوليين على لبنان.
وفي تقدير المصادر السياسية المتابعة انه من المهم الاعتناء الخارجي بلبنان، وتلك المحاولات الجارية لتقديم يد العون له، غير ان ذلك يبقى من دون قيمة ما لم يترجم على أرض الواقع، وما دام التجاذب الدولي والحرب الباردة والساخنة الموجودة فإنه من غير المأمول ان يستفيد لبنان من حركة الموفدين بالقدر الذي يساعده على الخروج من أزماته، سيما واننا عايشنا مثل هذا الاهتمام الخارجي الذي عادة ما كان يصطدم بالمصالح الدولية المتضاربة وتذهب الوعود التي تعطى للبنان ادراج الرياح، إلى جانب ان لبنان ومن خلال التزاماته الخارجية يقيّد نفسه بأمور تجعله عاجزاً عن قبول كل ما يعرض عليه ان كان ذلك يأتي عن طريق هذه الدولة أو تلك.
وما دام الحال كذلك، فإن المطلوب في الوقت الراهن القيام بعملية جراحية دقيقة على مستوى الإصلاحات في كافة القطاعات وعدم الاكتفاء بالمراهم و«البنادول» كون ان العاصفة الاقتصادية والمالية ان زادت وتيرة سرعتها فإنها ستكون مكلفة بالنسبة للبنان.