Site icon IMLebanon

الصراع على الحصص والصراع على لبنان

 

لا حديث يتقدم في هذه الأيام على حديث الحصص في الحكومة العتيدة. ولا غرابة، وإن ظهر بعض الاستغراب. فهذا من طبائع الأمور في لبنان من زمان، حيث السياسة صراع قبائل، والسلطة هي الغنيمة. ومن الصعب توقع شيء آخر حين نذهب الى الانتخابات النيابية متخففين من البرامج والمبادئ، ونعود منها مثقلين بأحمال المصالح والعصبيات الى حيث المواقع أهم من المواقف، والسياسة التي هي فن ادارة شؤون الناس مفصولة عن السلطة.

لكن من الصعب أيضا الهرب من ان نسأل أنفسنا: أليس في الحكومة شيء غير الحصص يستحق معركة؟ والخطير هو ان نطبّق نظرية هنيبعل العسكرية على المواقف السياسية. هنيبعل الذي انتصر في حملته على ايطاليا عندما استخدم الأفيال لعبور جيشه جبال الألب، قال: يجب التخلّي عن الأفيال بعدما قطعنا الألب. ويبدو ان هناك من يقلّده كأن الاتفاقات والتفاهمات لمرحلة موقتة قبل التخلّي عنها بعدما نقلته من موقع الى آخر.

ذلك ان ما سمعه الرئيس المكلف سعد الحريري من مطالب الكتل هو آخر ما يعكس ما أعلنه عن السرعة في التشكيل والوعد الجماعي بالتسهيل. وهو يعرف أكثر من سواه، وان كثر الطبّاخون والذين يتصرفون كأنهم يؤلفون الحكومة، ان العقد الخفيّة أكبر من العقد المعلنة في التأليف. لا بل ان تحديات ما بعد تشكيل الحكومة أكبر من تحديات التشكيل. لا فقط بالنسبة الى معالجة الوضع الاقتصادي الصعب ومكافحة الفساد. بل أيضا بالنسبة الى مواجهة التحولات الخطيرة في صراع المحاور الاقليمية والدولية.

إذ ما نسميه النأي بالنفس عن النيران المشتعلة والصراعات في المنطقة ونلتزم الاستمرار فيه هو في جزء منه نأي بالنفس عن الواقع الذي أعاد التذكير به الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيرش في تقريره الدوري عن حال القرار ١٥٥٩. وهو بالطبع ان الانتشار الواسع للسلاح خارج سلطة الدولة بالتوازي مع وجود ميليشيات ثقيلة التسليح يقوّضان أمن

المواطنين اللبنانيين، وان مشاركة حزب الله في النزاع السوري خرق لسياسة النأي بالنفس واعلان بعبدا، وتورّطه في القتال في أماكن أخرى في المنطقة يحمل أخطار جرّ لبنان الى النزاعات الاقليمية ويهدّد استقراره.

والسؤال البسيط هو: أين الصراع على الحصص في الحكومة من مواجهة الصراع على لبنان ضمن الصراع الجيوسياسي في المنطقة وعليها؟ والجواب الأبسط هو انه ليس أصعب في تأليف الحكومة من تحدّي الضغوط والعقوبات الأميركية والأوروبية والخليجية بالتجاهل سوى الأخذ والتسليم بها من دون حساب للمعادلة الداخلية.