المواجهة بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري مفتوحة وحتى اشعار آخر وربما الى ان يقدر الله امرا كان مفعولا وفق الاوساط المواكبة لايقاع الرجلين فلا بدايتها هو الخلاف حول «اتفاق الطائف» الذي كان يرفضه عون يوم كان رئيساً للحكومة الانتقالية اثر نهاية عهد الرئيس امين الجميل الذي غادر القصر الجمهوري تاركاً الجمهورية على عتبة المجهول، ولا نهايتها تتمثل في الخلاف حول سلسلة الرتب والرواتب والقانون الضريبي الذي اطاحه قرار المجلس الدستوري، اما سبب الخلاف بين عون وبري فبالاضافة الى اختلاف الاثنين من حيث الشخصية كونهما من قماشتين مختلفتين ومتناقضتين في آن، كذلك فان الامر ينسحب على كيفية ممارسة الرجلين «فن الممكن» في مقاربة الملفات الساخنة، فرئيس الجمهورية صاحب اسلوب مباشر يسمي الاشياء بأسمائها بعيداً عن التوريات وما تحمله من رموز في وقت يلجأ فيه رئيس مجلس النواب في معظم الاحيان الى التلميح دون التصريح كي لا يقطع شعرة معاوية مع احد وهو المعروف بسعة الكم الذي غالباً ما يطلق منه ارانب الحلول.
وتضيف الاوساط انه على صعيد التركيبة الشخصية لعون فهي نقيض تركيبة شخصية «ابو مصطفى»، فالجنرال جدّي حتى الصراحة، لا يمزح وهو على خصام مزمن مع الضحك، لا يحب «النكات» ولا «الزكزكة»، سريع الغضب على عادة العسكر حيث لا وجود لحلول وسط في قاموسه ولا مكان للون الرمادي، ابيض او اسود فكيف الحال والرجل عاش المنافي طوال 15 عاماً ولم يستطع احد ان «يأخذ توقيعه».
وتشير الاوساط الى ان شخصية بري هي نقيض شخصية عون، فالرجل على طريقة الجاحظ يقول «النكتة» و«لو حضرته في المسجد»، مرح الى اقصى الحدود، يكسر رتابة الجلسات النيابية الطويلة حيث يقطعها بعض النواب بغفوة، «بقفشات» تعيد الحيوية الى البرلمان، لا ينسف الجسور مع احد وغالباً ما يؤدي دور الاطفائي في خضم المواقف ولا سيما ان المرحلة بالغة الاستثنائية والدقة، جمع في عمله السيف والقلم ونجح في جمع رئاستين في قبضته رئاسة مجلس النواب ورئاسة حركة «امل»، رجل منبر يتقن فن الخطابة ويقرض الشعر في المناسبات الموصوفة، واذا كان بري نقيض رئيس الجمهورية، الا ان ما يجمعهما العداء الاسرائيلي على الصعيد الوطني والدهاء المشترك على المستوى الشخصي.
وتقول الاوساط ان التراكمات بين الرجلين بدأت مع وصول عون من المنفى وخوضه الانتخابات في وجه التحالف الرباعي واكتساحه المناطق المسيحية بمعظمها، وتلا ذلك تحالف «التيار الوطني الحرّ» مع «حزب الله» عبر توقيع «ورقة التفاهم» حيث رفض بري الاصطفاف معهما في حلف واحد مفضلاً البقاء على مسافة من عون نظراً الى علاقته مع النائب وليد جنبلاط وما يعني ذلك على كافة الصعد والذي حذّر الجميع من «التسونامي» يوم عودة الجنرال من المنفى.
اما المحطة الثانية التي وسعت الشرخ بين الرجلين تضيف الاوساط، فكانت انتزاع جزين كدائرة انتخابية من فيء عباءة المصيلح ووضعها تحت المظلة البرتقالية حتى اشعار آخر، وجاءت الانتخابات الرئاسية لتكلل قمة التباينات بين الطرفين اذ رفض بري السير بترشيح عون للكرسي الاولى داعماً النائب سليمان فرنجية وكانت معركة «الورقة البيضاء» التي استنزفت اعصاب عون في الجلسة لما احاطها من مشاكسات وانتهت بفوز عون رئيساً للجمهورية دون ان يعلنه بري كما تقتضي الاعراف الدستورية، وصولاً الى سلسلة الرتب والرواتب حيث دعا عون الى اقرار الموازنة بداية ومن ثم الانتقال اليها، الى ان اسقط المجلس الدستوري قانون الضرائب الكفيل بتمويلها، وفي انتظار جلسة اليوم التي سيرأسها عون في القصر الجمهوري لمعرفة الخيط الابيض من الاسود في سلسلة خلافات بعبدا وعين التينة.