Site icon IMLebanon

هل تحصل المواجهة بين روسيا وأوكرانيا في المدى المنظور؟

 

 

تتصدّر الأزمة بين موسكو وكييف واجهة الأحداث في العالم، مع تزايد ارتفاع منسوب التصريحات الغربية حول وجود نوايا لدى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بغزو أوكرانيا، وهو ما يثير حالة من الهلع تسود العالم، خوفاً من حرب قد تبدأ من منطقة دونباس الحدودية بين البلدين ولا تنتهي على امتداد مساحة القارة العجوز.

 

جذور الأزمة بين موسكو وكييف تعود الى مرحلة انهيار الاتحاد السوفييتي مطلع تسعينيات القرن الماضي، مع بروز دور لبعض المجموعات القومية الأوكرانية المنادية بالخروج من تحت العباءة الروسية. لكن الكرملين تمكّن حينها من ضبط إيقاع حدّة الأزمة بتشكيل رابطة الدول المستقلة، وجعل من عاصمة بيلاروس مينسك، نقطة التقاء لجمهوريات الفضاء السوفييتي السابق باستثناء دول بحر البلطيق الثلاثة (لاتفيا، ليتوانيا، استونيا) التي اختارت الالتحاق بأوروبا.

 

على الرغم من تباين المواقف بين موسكو وكييف حول الكثيرمن القضايا وفي مقدّمها تقاسم ما تبقّى من الإرث السوفييتي، الّا انّ الاوضاع بين الطرفين استقرت دوماً على محاولات تنظيم الخلاف، الى ان اندلعت الثورة البرتقالية عام 2004، وأوصلت فيكتور يوتشينكو الى سدّة الرئاسة في أوكرانيا، ليكرّس سياسة القطيعة والعداء مع روسيا.

 

بالطبع خسارة الجار الأكبر لم تكن سهلة بالنسبة للكرملين، ولكن بعد فشل يوتشينكو في معالجة الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، تمكن حليف روسيا فيكتور يانوكوفيتش من الفوز بانتخابات الرئاسة عام 2010 ، لكنه لم ينجح أيضًا في ترتيب البيت الأوكراني داخليًا، وهو ما أعاد فتح الباب مجدّدًا أمام المنظمات المتطرفة قوميًا للخروج الى الشارع وخلع يانوكوفيتش عام 2014 قبل سنتين من انتهاء ولايته. ومنذ ذلك الحين دخلت العلاقات بين روسيا وأوكرانيا مرحلة التصعيد العسكري، بعد إعلان إقليمي دونيتسك ولوغانسك انفصالهما عن أوكرانيا ورغبتهما بالانضمام الى الاتحاد الروسي واستعادة موسكو لشبه جزيرة القرم.

 

اليوم، وبعد سنوات من محاولات تدوير الزوايا، تصل الأزمة بين روسيا واوكرانيا الى مرحلة دقيقة للغاية، لا سيما انّ الحملات السياسية والاعلامية التي تقوم بها واشنطن، إلى جانب جوقة الحلفاء الاوروبية، يدفع الى التساؤل حول إمكانية حصول مواجهة عسكرية بينهما في المدى المنظور؟

 

لا شك انّ تسخين الأجواء وارتفاع سقف المواقف الغربية على المستوى السياسي يؤثران سلبًا على مجريات الأحداث. فروسيا تعزز تواجدها العسكري مع أوكرانيا من أجل الحصول على ضمانات بعدم اقتراب آلة الناتو العسكرية الى حدودها، وهو أمر يمكن تفهمّه وتوقّعه من دولة عظمى لم تفاوض يومًا على أمنها القومي، وفي الوقت نفسه لم تقفل قنوات التواصل امام أي وساطة لإيجاد حل للأزمة، بما يضمن تبديد مخاوفها من أي استهداف محتمل.

 

في الجهة المقابلة، حالة من الذعر تسود الجانب الأوكراني. فسلطات كييف تدفع بنصف عدد جنودها الى الحدود مع روسيا، وتفتح ابوابها امام الدعم العسكري الغربي، وهو ما يعزز فرضية اشتعال فتيل الحرب بين لحظة واخرى، علمًا انّ الرئيس بوتين وكبار المسؤولين الروس في إدارته، ينفون وجود أي خطط لغزو أوكرانيا. لكن واشنطن ولندن وبرلين تصرّ على رسم معالم مواجهة عسكرية في منطقة اختبر اهلها اكثر مآسي الحروب قساوة في تاريخ البشرية، حيث قُتل نحو 27 مليون شخص ما بين عامي 1941-1945، خلال سنوات الحرب العالمية الثانية، ما يعني سقوط فرضية أي عمل عسكري من حسابات الشعبين الروسي والاوكراني، الّا إذا تمّت الاستعانة بطابور خامس لتأجيج الصراع وجعله دموياً.