غالباً ما لا يمكن فصل الشكل الاحتفالي عن المضمون السياسي في مناسبات كبيرة كذكرى ١٤ شباط ٢٠٠٥، ولكن هذا البعد اتخذ بعداً ومذاقاً مختلفين في الذكرى العاشرة لاغتيال الرئيس رفيق الحريري. لا يمكن حتى خصوم “تيار المستقبل” ان ينكروا اهمية اثبات استمرار الزعامة الحريرية على هذا الوتر من “قوة الاعتدال” التي عاد بها الرئيس سعد الحريري الى قلب بيروت تحديدا حيث لا تنفصل الرمزيات الهائلة في الحدث عن الظروف التي املت “الحاجة الاسلامية” الى الحوار. حتى ان عودة الحريري في ذاتها تفوّقت على الذكرى. ذاك الاشتعال الذي احدثته اطلالة الحريري الابن لا نخاله لم يوضع على المجهر لدى راصدي الشارع السني خصوصاً وما يعنيه في “عافية” ذي دلالة شديدة التأثير على مجريات المصير اللبناني عموماً ما دامت “الحريرية” لا تزال تعتصم بقوة الاعتدال وبالتمسك بالدولة المدنية في مواجهة عَصب متوتر ومتعصب ونزق يجتاح العالم العربي. رحم الله كبير آخر من هذا البلد هو نسيب لحود اذ قبيل أسابيع من وفاته في شباط آخر قبل ثلاثة أعوام كان يسر لمن ساده قلق آنذاك من تمدد التطرف الى الشارع السني اللبناني بقوله: “لا تخافوا سيبقى اسم الحريري الكلمة الساحرة لدى السنة بغالبيتهم مهما حصل”.
الخلاصات من آخرها هي ان خطاب الحريري والشكل الاشتعالي الذي أثاره في عودته يجب ان تشكل الركن الثابت نحو حماية البلد الذي “يمكن” حمايته ولو اتسمت نبرة الزعيم العائد بالتشدد حيال مبدئيات اساسية ما كان ممكناً له الا ان يعيد وضعها في نصابها تجاه نقاط الخلاف الضخمة مع “حزب الله”. أليس هذا ما يفعله الحزب نفسه في معادلة حوار الضرورة؟ منذ ان بدأ هذا الحوار والحزب يوسع اطار تورطه في الحرب السورية ولكنه يبقي اليد الممدودة الى خصمه الاساسي منعا للفتنة. لكن الاهم ان عودة الحريري افضت في ساعات الى حقيقة كان كثيرون في حاجة الى اعادة اختبارها وهي القدرة التمثيلية الثقيلة لتيار المستقبل وزعيمه في الشارع الأكثر خطورة اليوم، والذي يتعرض باطراد لتجارب الاستقطاب الخطرة والعنيفة والعصبية سواء بفعل واقع داخلي يدلل على خلله استمرار الرئيس سعد الحريري متنقلاً بين نفي قسري واطلالات نادرة او بفعل موجات التأثر بالبراكين المتفجرة حول لبنان.
بذلك وعلى اهمية الخطاب الحريري يغدو المهم الموازي للمضمون السياسي للموقف ان تكون رسالة الشكل ايضا قد وصلت الى من يعنيهم الأمر. ولعلها المفارقة الاخرى التي لم يتحدث عنها صاحب الخطاب، فهذا الاشتعال الذي احدثه هو ايضاً حاجة إسلامية ولبنانية للحلفاء كما للخصوم سواء بسواء.