نظرية المؤامرة في عهد ترامب ٢
ضرب مواقع القوة في الخليج وايران معا
دمّرت الاستراتيجية الأميركية تباعا وعلى مدى عقود، مواقع القوة المعادية للولايات المتحدة واسرائيل في العالم العربي والمنطقة. وفعلت ذلك اما بالقوة الخشنة وشنّ الحروب العسكرية المباشرة وغير المباشرة، واما بالقوة الناعمة، ومنها اخراج مصر من الصراع العربي – الاسرائيلي بمعاهدة سلام منفرد مع اسرائيل. الحروب المباشرة كانت في صورة غزو عسكري مباشر كما جرى في الاحتلال الأميركي للعراق ٢٠٠٣. والحروب غير المباشرة كانت في صورة استنساخ التجربة في افغانستان بتأسيس تنظيم القاعدة تحت عنوان الاسلام المؤمن في مواجهة الشيوعية الملحدة. ولاحقا بتأسيس داعش وأخواتها تحت عنوان الاسلام التكفيري في مواجهة كل ما عداه. وهذه هي المرحلة التي نعيشها اليوم وبدأت معالمها مع ما يسمّى ب الربيع العربي عام ٢٠١١. ونجحت حتى الآن بتدمير العراق وسوريا وليبيا، وهي التي كانت ترفع شعارات البوابة الشرقية في العراق دعما لتحرير فلسطين، وقلعة الصمود والتصدّي في سوريا لتحرير فلسطين أيضا، واحتضان القذافي لمنظمات المقاومة الفلسطينية للهدف نفسه كذلك في ليبيا!
في مرحلة تالية، توجهت الاستراتيجية الأميركية الى ضرب مواقع القوة العربية حتى ولو لم تكن معادية لأميركا. والى ضرب ما تبقى من قوة غير عربية معادية لأميركا واسرائيل. وكان ما تبقى من مصادر القوة لدى العرب: المملكة العربية السعودية وشقيقاتها الخليجيات بما لها من وزن اقتصادي وعسكري في المنطقة وفي الحسابات الدولية. والقوة غير العربية الوحيدة في المنطقة المعادية لأميركا واسرائيل كانت ايران. وكانت المهمة الأميركية سهلة نسبيا في ما يتعلق بايران ومحاولة خنقها واسقاطها بفرض حصار دولي طويل الأمد عليها، تجنبا لحرب عسكرية ضدها، ومكلفة بالنسبة لأميركا والعالم، في منطقة مزدحمة بآبار النفط، واشتعالها يهدّد بمجاعة نفطية عالمية! أما بالنسبة للسعودية فقد كانت المهمة الأميركية أكثر صعوبة، على اعتبار ان المملكة ترتبط بتحالف تاريخي مع أميركا، وأي عداء مكشوف لها لا يمكن تبريره، فتم الالتفاف والتحايل، بالعمل على اضعاف المملكة والخليج بأساليب ماكرة وغير مباشرة…
توجهت الاستراتيجية الأميركية الى ضرب القوة السعودية والخليجية بقوة الأمر الواقع ودون اعلان صريح. وكان الهدف ضربها في ثلاثة مواقع، أولها النفط. ودخلت أميركا في منافسة صريحة مع المملكة بتفعيل انتاج النفط الصخري على الرغم من التكلفة العالية. وهو الأمر الذي اضطر المملكة الى انتهاج سياسة اغراقية لاخراج النفط الصخري من المنافسة. وهذا ما حدث فعلا، ولكن بأضرار تلحق بالمملكة والدول النفطية كافة بانخفاض فادح في أسعار النفط. وثانيها، استنزاف المملكة ماليا واقتصاديا وعسكريا. وقامت لعبة الأمم بدورها في الحديقة الخلفية للمملكة في اليمن، مما اضطر القيادة السعودية الى شنّ حرب وقائية فيها دفاعا عن المملكة وعن الخليج، ولكن ذلك حقق بعض أهداف الاستراتيجية الأميركية في الاستنزاف والاضعاف. ولعل أخطر المواقع التي حاول الأميركيون ضربها في المملكة يتمثل بأقوى مواقع قوتها وهو الناحية الايديولوجية، وموقعها في العالم الاسلامي والعالم…
بدأت الحملة اعلامية في أميركا ضد الاسلام ورموزه في العالم وربطه بالارهاب. وتطورت لاحقا الى حملة سياسية وسّع نطاقها اللوبي الصهيوني في أميركا. وتحولت في أواخر عهد الرئيس أوباما الى حملة رسمية باقرار قانون جاستا، أو ما يسمّى ب قانون العدالة ضد رعاة الارهاب… وهنا ظهر الوجه الآخر القبيح للادارة الأميركية بظهور معالم العداء واضحة، ليس للاسلام بصفة عامة، وانما أولا وأخيرا ضد رموزه في الخليج، وبخاصة في المملكة العربية السعودية! واكتمل هذا المسلسل المعادي بانتخاب رئيس جديد للولايات المتحدة هو دونالد ترامب الذي بنى حملته الرئاسية على وعد بمنع المسلمين في العالم من الدخول الى أميركا!
وللحديث صلة.