IMLebanon

الرئاسة والدولة

 

 

رئيسان لم يفرطا بالسيادة الوطنية. بشارة الخوري وفؤاد شهاب. لكن الأول ارتكب خطيئة انتهاك الدستور يوم جعله طوع التجديد لرئاسته، فيما الثاني، الذي وقف شامخاً في خيمة السيادة الوطنية مع عبد الناصر، وضع مقاليد الديموقراطية بإدارة العسكر.

 

كميل شمعون صاحب لائحة طويلة من الإنجازات، افتتح انتهاك السيادة باستدعائه الأسطول السادس. خطيئته أنه أنزل الرئاسة من القصر إلى الشارع ليرد على الجمهور الناصري وعلى المطالبين بالوحدة العربية. كان يمكن أن يبقى فوق الانقسام، وألا يكون فريقاً في صراع القاعدة ليحفظ للقيادة مرجعيتها الوطنية. الجمهور رعاع حين يكون ولاؤه للطائفة والمذهب والزعيم والمرجعية الخارجية قبل الولاء للوطن. الأحزاب رعاع إن هي سعت إلى التحرر الوطني بقوة الاستبداد. الأمة التي يقودها رعاعها مصيرها الحرب الأهلية.

 

بعد فؤاد شهاب انتهكت الأمة العربية سيادة لبنان من باب القضية الفلسطينية، ثم صارت أسماء رؤساء الجمهورية والحكومة والبرلمان تعلن من خارج الحدود. حتى الياس سركيس آخر حصون الشهابية كان، مع نائبه حارس السيادة والدستور، فؤاد بطرس، مكبلاً بقوات ردع بدل أن تتولى ردع المعتدين على سيادة الدولة راحت ترعاهم، وأسست لهم مدرسة تخرج منها جيل الفاسدين من الحكام.

 

حتى رشيد كرامي الذي ترأس أهم حكومة بتاريخ الجمهورية اللبنانية، عطل عمل الدولة بالاعتكاف. ونبيه بري، المنقذ عند اشتداد الأزمات، كسر احتكار من أتوا إلى الرئاسة على ظهر دبابة، حين صار هو الآخر رئيساً لحركة أمل ورئيساً للبرلمان بقرار سوري، وأقفل أبواب المجلس النيابي أشهراً طويلة.

 

سيادة الدولة تعني سيادة القانون والدستور، وتبدأ بحماية الحدود وتنتهي بوقوف الجميع، بمن فيهم أهل السلطة، تحت سقف القانون، والتزام الرؤساء أحكام الدستور.

 

حين رحت أبحث عما فعلته الحرب الأهلية بالدولة والدستور، طلبت من القاضي سهيل بوجي، وكان أميناً عاماً لمجلس الوزراء، تزويدي بمعلومات وإحصاءات عن حجم التخريب في إدارات الدولة نتيجة الصراع على الصلاحيات الدستورية، فكان جوابه البليغ، الأزمة ليست في الدستور، رئيس الحكومة بصلاحيات قليلة قبل الطائف عطل الدولة أشهراً، ورئيس الجمهورية بعد الطائف، (في عهد إميل لحود) بصلاحيات قليلة انتهك الدستور مرات ومرات. المسألة لا تتعلق بالدستور بل بالقيمين عليه.

 

تطوع عدد من المحامين ورجال القانون بوضع مطالعة ورفع دعوى يتهمون فيها رئيس الجمهورية بانتهاك الدستور، قد يرد الرئيس عليها وقد يهملها وقد يحيل واضعيها على المحاكمة، من يدري؟ أما وأن الأزمة تهدد الشعب بالجوع والمواطنين بجهنم والبلاد بالانهيار والوطن بالزوال فالانتهاك الأكبر للسيادة يتمثل بغض الأنظار عما يهدد، ثم بإشغال الرئاسة ومؤسسات الدولة بنزاع على الصلاحيات وبتأجيج الصراعات الطائفية التي تفاقم بدل أن تعالج.

 

توقيع رئيس الجمهورية على مراسيم تشكيل الحكومة ملزم حتى لو لم يكن موافقاً عليها. وهذه ليست حالة استثنائية في مواد الدستور. فعلى الرئيس توقيع مرسوم التكليف حتى لو كان خياره مخالفاً لخيارات النواب، وكذلك مرسوم التشكيلات القضائية، والمراسيم والقوانين المحالة إليه من المجلس النيابي، وقد منحه الدستور حق الاعتراض أو التحفظ عليها أو ردها لمراجعتها، لكنه ملزم، إن أعيدت إليه، بالتوقيع عليها، وإلا فهي تصدر حكماً في الجريدة الرسمية بعد أربعين يوماً.

 

الصراع على الصلاحيات الدستورية في ظل الأزمة هوالانتهاك بعينه للدستور، وهوالتهديد الأكبر بالانهيار وهو الأخطر على المصير الوطني.

 

مسار التطور ليس واحداً في التاريخ. ولبنان ليس الوحيد الذي تعثرت خطاه. حتى فرنسا لم تحسن الاختيار بعد الجنرال ديغول. ساركوزي اليوم مدان لا بانتهاكه الدستور بل بالفساد وقلة الأخلاق وبأفعال خسيسة، بحسب تعبير أديب الصحافة سمير عطالله.