Site icon IMLebanon

مدرسة القفز فوق الدستور

 

لكُلٍ دستوره. هذا ما وصل إليه قادة التشكيلات اللبنانية بعد مئة سنة على قيام الكيان و78 سنة على الاستقلال. ولا حاجة للعودة الى ماضٍ بعيد لتأكيد هذه الخلاصة. فأمراء البلد الحاليون لخّصوها وأنجزوها كاملةً. وآخر ما أتحفونا به الخلاف المستجدّ حول الدورة الاستثنائية لمجلس النواب.

 

تقول المادة 33 من الدستور التالي: “لرئيس الجمهورية بالإتفاق مع رئيس الحكومة أن يدعو مجلس النواب الى عقودٍ استثنائية بمرسومٍ يحدد إفتتاحها وإختتامها وبرنامجها، وعلى رئيس الجمهورية دعوة المجلس الى عقود استثنائية إذا طلبت ذلك الأكثرية المطلقة من مجموع اعضائه”.

 

إتفق الرئيسان ميشال عون ونجيب ميقاتي على اصدار مرسوم الدورة بعد قيلٍ وقال وكلام كثير عن مقايضتها بقبول الثنائي “الوطني” حضور إجتماعات مجلس الوزراء. ومع ان ذلك لم يتحقق فقد صدر مرسوم الدورة وفيه برنامجها كما ينص الدستور، لكن رئيس المجلس النيابي نبيه بري لم يعترف بصلاحيات رئيسي الجمهورية والوزراء حسب النص، وكان له نصه المغاير!

 

قال بري إن “المجلس سيد نفسه ولا يقيّده أي وصف للمشاريع أو الإقتراحات التي يقرر مكتب المجلس طرحها، ويعود لرئيس الجمهورية ميشال عون حق الرد بعد صدورها عن الهيئة العامة إلى المجلس”.

 

سيّد “سيّد نفسه” فسّر المادة بما يرتئيه مع انها واضحة وضوح الشمس ولم يطرح مجرد اضافات على برنامج العمل تقرها هيئة مكتب المجلس، بل ذهب الى أبعد من ذلك حاصراً دور رئيس الجمهورية بـ”حق الرد”، تلك العبارة التي تتكرر كثيراً على لسان مقاومي المشروع الأميركي الصهيوني!!!.

 

في هذه النقطة يبدو عون على حق لكن الحق لا يعرف الاستنسابية والدستور ليس قصيدة شعر تحتمل التأويل. والرئيس يعرف أن بري الذي يخاصمه اليوم هو الذي قفز فوق الدستور ومنع، كرمى له ولـ”حزب الله”، مجلس النواب من انتخاب رئيس للجمهورية لأكثر من عامين ليأتي هو بشخصه رئيساً لا مفرّ منه، ويعرف أيضاً ان الرئيس السابق ميشال سليمان انتخب رئيساً من دون تعديل للدستور وكان لا يزال قائداً للجيش، وعندما لفت نوابٌ النظر الى هذه الثغرة حلها رئيس المجلس بإشارة استخفاف، الى ان جاء اليوم الذي تمّ فيه تذكير سليمان بالواقعة في معرض التهديد بقلعه عندما خرج عن الإحتواء وتبنى “إعلان بعبدا”.

 

لعب فخامته الحالي لعبة الثلث المعطّل وتداول الحقائب ثم رفضها ومارس ليّ ذراع رؤساء الحكومات وأصدر تذاكر سفر لهم ذهاباً بلا إياب…، وتمّ ذلك غالباً استناداً الى روحية تفاهم مار مخايل الذي يتمّ استحضاره لتبادل الخدمات الفئوية وليس لبناء الدولة، كما يصرح بعض المتمسكين به.

 

أنهى رموز السلطة الحاكمة إتفاق الطائف وداسوا الدستور والقوانين ومعها الناس الذين تُسَنّ من أجلهم، وها هم اليوم يتابعون مسيرة خلافاتهم المفتعلة لشد عصب زبائنهم ولنزع العصب الوطني المتبقي لدى مواطنيهم. ولن يجدي الجدال حول صاحب الحق في الخلاف، ولا حول العناوين التي ستناقش، فالمستفيد الوحيد من الدورة الاستثنائية، كما يبدو، سيكون حكماً النواب الذين يسعى المحقق العدلي الى ملاحقتهم، فيما يكبله حكام الأمر الواقع ويكفّون يديه فعلياً، في أبشع عملية لجرف آخر ما تبقى من معالم دولة القانون اللبنانية.