على سبيل المثال لا الحصر، وفي الدّول التي تحترم نفسها وشعوبها ودساتيرها، نجد لزاماً علينا أن نشير إلى تقديم وزير الحكومة البريطاني بوريس جونسون استقالته لملكة بريطانيا اليوم الأربعاء وطلب منها السماح بحل البرلمان ودعا لخوض الانتخابات ستجرى في 12 كانون الأول المقبل، ونقطة على سطر الدول «الديموقراطيّة» التي ندّعي أنّنا من دولها!
من المؤسف أنّنا نواجه حالة تحايل على الشعب وعلى الدّستور، وأنّنا رغم كلّ مشاهد الثورة وجديّتها وانتفاضة الشعب على «دولته» المسوّسة والفاسدة، بالرّغم من كلّ مشاهد الحياة التي ينبض بها لبنان، ما نزال نرزح تحت حكم حزب الله وأجندته الإيرانيّة، ولا يجرؤ القابعون في قصور الرئاسات أن يخرجوا ليقولوا للبنانيين «ما منسترجي نخالف رغبة حزب الله»!
من غير المقبول إستمرار البلاد معلّقة على هذا الشّكل تحت عنوان لا يُحدّد الدستور مهلة للدّعوة إلى الاستشارات، مع أنّ هذه الدعوة بديهيّة، تماماً مثلما لا يُحدّد الدستور مهلة زمنية محدّدة لتشكيل الحكومة، وكأن اتفاق الطائف عندما وضع نظام الاحتلال السوري عليه سلّمه لخبراء دستوريين ليخردقوه بنداً بنداً ممّا يكفل له تعطيل الحياة السياسية في لبنان وهذا ما شهدناه طوال الخمسة عشر عاماً من الوصاية المفروضة ما بعد الطائف، ما يحدث تضييع لما تبقّى من أدنى فرصة لإنقاذ البلاد، استمرار الحكم وحزبه الحاكم في دفن رأسه في رمال التأخير سيقود إلى انهيار ما تبقّى من البلاد، و»يا خوفي تكون التالتة ثابتة» هذه المرّة!
هذه المماطلة جريمة كبرى بحقّ لبنان، كلّهم خاضعون وخانعون وراضخون لحزب الله وأوامره، منذ اللحظة الأولى حدّد لهم أمين عام حزب الله حسن نصرالله الممنوعات، لا تغيير للحكومة، لا لتغيير النظام، لا لانتخابات نيابيّة مبكرة، مع أنّ البديهي أن نذهب إلى حكومة إنتقاليّة بعمر أشهر ستّة وحكومة تكنوقراط تأخذنا إلى قانون إنتخابات غير مفصّل على قياس هذه الأحزاب المتوحّشة خلال ثلاثة أشهر بالكثير، وأن لا يكون أحداً من وزراء هذه الحكومة مرشحاً للانتخابات، ولتسمح هذه الإنتخابات أن ينتخب المواطن في مكان إقامته، لأنّ هذا الأمر سبّب ذعراً للثنائيّة الشيعيّة في الانتخابات الماضية لتظل ثنائيتهما مسيطرة بقوة السلاح على تصويت وأصوات النّاس!
ما يحدث ليس مشاورات، لقد شبع اللبنانيّون من هذه «المماطلة» القاتلة، البلاد على وشك لفظ أنفاسها، والذين يتسلّطون على الحكم فيها يمارسون سياسة «هيّا إلى الفشل»، وهم يملكون من الوقاحة وقلّة الضمير وانعدام الوجدان حدّ ترك البلاد تموت من أجل البقاء ملتصقين بكراسيهم، وادّعاء أنّهم «هم» أرباب الفساد والنهب والسرقات والعمولات سيديرون عمليّة محاسبة الفاسدين!!
ما يحدث أكبر عملية احتيال على الدستور، ونقول وبمنتهى الصدق ومن دون قفّازات ما يحدث هو تعطيل للرئاسة الثالثة، لقد تحوّل مقام رئاسة الحكومة إلى «ممسحة» بل خرقة بالية ممتهنة إلى حدّ يجري تعطيل حقّ اللبنانيين بأن يكون لهم حكومة بعدما لفظوا حكومة الفشل، والكلّ متآمر على الرئاسة الثالثة وعلى مقامها وما ومن تمثّل، وبقدر ما دافعنا ورفضنا الفراغ في سدّة الرئاسة الأولى، نرفض خدعة «تصريف الأعمال» وترك البلاد معطّلة من دون حكومة طوارىء تتحمّل المسؤولية وتعقد اجتماعات مفتوحة علّها تنقذ ما يمكن إنقاذه من أجل مستقبل وطننا أبنائنا، من المؤسف أننا نشاهد حفلة قتل منهجي غير رحيم للبنان، ودائماً تحت إمرة حزب إيران وسلاحه وأجندته الفارسية، وعلى المقلب الآخر وإرضاءً لمأرب شخصي الأنا فيه دمّرت البلاد مرّات، وها نحن نتابع المشهد الأخير لانهيار لبنان من أجل توزير أو توريث أو كلاهما معاً!