IMLebanon

إمعان في تجاوز الدستور والصلاحيات بدلاً من تسريع خطى تأليف الحكومة الجديدة

 

 

هناك من يراهن على ضعف قوة الانتفاضة والحراك الشعبي إلى مستويات متدنية قياساً على بدئها ومرور الوقت سيزيد من ضعفها وبالتالي يمكن احتوائها بأقل قدر من التنازلات

 

بينما كان اللبنانيون في انتظار قيام رئيس الجمهورية العماد ميشال عون بتحديد موعد لدعوة الاستشارات النيابية الملزمة التي يجريها لتسمية رئيس الحكومة الجديد بعد فترة من الانتظار غير المبرّر، فوجئوا بدلا من ذلك بالدعوة إلى اجتماع اقتصادي- مالي طارئ في قصر بعبدا برئاسة الرئيس عون تحت عنوان: «معالجة حالة الهلع التي انتابت المواطنين جرّاء فقدان السيولة بالدولار من السوق»، وقد سجلت على هامش هذا الاجتماع ملاحظات عدّة أهمها:

 

أولاً: تأجيل البت بالموضوع الحكومي وتأخير موعد الاستشارات إلى وقت غير معلوم، باعتبار ان هذا الموضوع لا يتقدّم على سواه، وكأن ما يحصل في لبنان من تظاهرات واعتصامات ومطالبات وشل أواصر الدولة، يقع في الدرجة الثانية ولا يتطلب تحركاً سريعاً للبدء بالخطوات المطلوبة لتشكيل الحكومة التي يطالب بها معظم اللبنانيين للمباشرة بحل المشاكل القائمة والاهتمام بمطالب النّاس المحقة والملحّة في آن معاً.

 

ثانياً: إظهار المشكلة بالمقلوب، وكأن مشكلة فقدان الدولار بالسوق والاضطراب المالي والاقتصادي هو الذي يتسبب بالمشكلة الحكومة، في حين ان الجميع يعلم أن الأزمة الحكومة والتأخير في إطلاق المشاورات المطلوبة لتشكيل الحكومة الجديدة والتي يتحمل وزرها رئيس الجمهورية وفريقه السياسي، تارة لإجراء التنسيق الاستباقي المطلوب وتارة أخرى لبلورة تفاهمات معينة مع باقي الأطراف السياسية، هي السبب الأساس في تفاقم الأوضاع المالية والاقتصادية وتنامي منسوب القلق لدى المواطنين جرّاء هذا التلكؤ المفضوح في المباشرة بمعالجة الأزمة الحكومية.

 

ثالثاً: لوحظ من خلال ما يتسرب من مناقشات خلال الاجتماع المذكور ان معظم الإجراءات والخطوات المطلوبة، قد اعتمدت في اجتماعات حكومية سابقة وتمت معالجة متطلبات الاحتياجات الضرورية، كالمحروقات، والقمح والأدوية وغيرها من الحاجات الضرورية والملحة.

 

رابعاً: تعذر اتخاذ أي إجراءات جديدة تنفيذية وسريعة واستثنائية لمواجهة ما يحصل على المستوى الحكومي في ظل غياب رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري عن هذا الاجتماع، ومهما كانت الأسباب التي تذرع بها البعض لهذا الغياب أو التغييب المتعمد، فما حصل يعتبر تصرفاً غير مقبول وتجاوزاً فاضحاً للدستور ويؤدي إلى تعميق هوّة الخلافات مع الرئاسة الثالثة وما تمثل على كل المستويات كلها ويراكم سلسلة من الممارسات اللادستورية طوال السنوات الثلاث والتي تسببت في جزء منها بتنامي النقمة الشعبية الحالية الت تعم لبنان حالياً ضد هذه التجاوزات.

 

ويلاحظ من خلال ما تسرب من مناقشات في الاجتماع المذكور ان نصيحة بعض الحاضرين بتسريع خطوات الحل السياسي المتمثل بتشكيل حكومة جديدة قوبلت بتحفظ من قبل الفريق الرئاسي حصراً والاصرار على تنفيذ بعض الأفكار والاجراءات الثانوية لمعالجة الاضطرابات وحالة القلق المالي والاقتصادي في الوقت الحاضر، باعتبار ان التوصّل إلى الحل السياسي المنشود للأزمة الحالية الناجمة عن استقالة الحكومة والمباشرة بتشكيل الحكومة الجديدة يتطلب مزيداً من الوقت، ريثما تنضج المشاورات والاتصالات الجانبية التي تجري بين الأطراف السياسيين وتسفر عن تشكيل الحكومة العتيدة، وهذا يعني في نظرهم ان هناك من يعتبر ان مسألة تشكيل الحكومة العتيدة، لا تتقدّم على ما عداه من معالجات واجراءات وان التأخير في عدم تحديد موعد للمباشرة بالاستشارات النيابية الملزمة يصب في هذه الخانة، بالإضافة إلى ان هناك من يراهن على ضعف قوة الانتفاضة والحراك الشعبي إلى مستويات متدنية قياساً على بدئها ومرور الوقت سيزيد من ضعفها وبالتالي يمكّن من احتوائها بالنهاية بأقل قدر من التنازلات، ولذلك، لا يستدعي الأمر تسريع الخطوات السياسية للمباشرة بتشكيل الحكومة الجديدة كما يطالب البعض لئلا يتطلب الأمر تنازلات مؤلمة وكبيرة ما يزال الفريق الرئاسي وما يمثل يكابر ويرفض التجاوب معها.

 

يضاف إلى ذلك، ان معظم الحاضرين في اجتماع بعبدا الأخير، خرجوا بانطباع مفاده ان معالجة الأزمة السياسية تحصل على أساس استيعاب النتائج ووضع الحلول المؤقتة لها وليس معالجة الأسباب التي أدّت إلى الأزمة من الأصل، وهذا يعني في نظر غالبيتهم ان المعالجة ستطول أكثر مما هو متوقع إذا استمر التعاطي مع مثل هذه الأزمة الصعبة والمعقدة التي تُهدّد لبنان كلّه على هذا المستوى من الأداء الهش الذي سيزيد حتماً من حدة الأزمة وتفاعلاتها السلبية ويهدد بتداعيات خطيرة إذا لم يتم احتواؤه بما يتطلب من حكمة وسرعة بالتعاطي البنّاء والايجابي لإنقاذ لبنان كلّه.