طرفان يجري استبعادهما من الاتصالات الجارية لتشكيل حكومة جديدة في لبنان: الدستور والشعب اللبناني.
ثار اللبنانيون على واقع قادتهم اليه القوى السياسية المتحكمة منذ سنوات بمصيرهم، فأورثتهم ديوناً وفساداً وسمسرات، و”سيستاماً” طائفياً مذهبياً قائماً على الزبائنية والاستتباع، توّجته خلال الفترة القريبة الماضية بسلسلة من الفضائح المجلجلة، من بواخر الفضيحة الكهربائية إلى نفايات كافية لوحدها لتكون سبباً لثورة على حد قول “نيويورك تايمز”، إلى حرائق كادت تلتهم نصف البلاد، وتتويجاً إلى خزينة فارغة تقررت تعبئتها من جيوب المواطنين.
كل هذه الآثام لم تحرك ساكناً لدى أي مسؤول. لم يعتذر أحد عن تقصيره ولَم يستقل وزير نتيجة إهماله. وإذا احتدمت السجالات بين أطراف السلطة في لحظة ما فسيكون ذلك بهدف تغطية الارتكابات والمسؤوليات وشد عَصب العصبيات المذهبية والـ”موتسيكية” تغطية لاستمرار الجميع آمناً مطمئناً على رأس هرم التسلط الفاسد.
على تلك الطغمة ثار اللبنانيون منذ 17 تشرين الأول الماضي، وتحت وطأة ثورتهم استقالت الحكومة، فماذا فعلت السلطة إياها؟ لجأت بداية إلى القمع والتهديد بالصدام الأهلي وعندما فشلت تحدثت عن حوار مع الانتفاضة… للالتفاف عليها، وفِي المعالجة عادت إلى السلوك نفسه سعياً إلى حكومة مماثلة لتلك المستقيلة وكأن شيئاً لم يحدث، وأن ما يجري في ساحات لبنان هو مجرد مهرجانات دعم لرموزها ولأزلامهم.
تجاهلت قوى السلطة الشعب اللبناني وثورته، لكنها تجاهلت أيضاً الدستور الصادر باسم الشعب. فللمرة الاولى تجرى محاولات لتشكيل حكومة جديدة وتعيين أعضائها رئيساً ووزراء، وإعداد بيانها الوزاري… قبل اجراء الاستشارات النيابية الملزمة التي تسمي رئيساً بالأكثرية يقوم بدوره بإجراء مشاورات يسمي على أثرها الوزراء وتولد الحكومة بعد موافقة رئيس الجمهورية. أي شيء من ذلك لم يحصل، ولا تزال المكابرة قائمة فلا تُحترم استشارات ملزمة ولا دستور، بل مفاوضات بين شركاء في هولدينغ لتعيين مجلس إدارة لشركة تدير الانهيار والافلاس، يستفيد أعضاؤه من بقايا ما يمكن ان تدره البقرة التي كانت حلوباً.
لا الدستور يحترم ولا يحترم الشعب الذي باسمه صدر هذا الدستور، فهل يعتقد أركان السلطة انهم قادرون على النجاة بفعلتهم؟