نهاية الأسبوع المنصرم، سلّم عضو المجلس الدستوري القاضي «أنطوان بريدي» أمانته إلى الرّب. هذا القاضي الذي عُرِف بعلمه ودماثة خلقه، وحُسن سيرته. وبات عديد المجلس الدستوري يقتصر على سبعة أعضاء من أصل عشرة.
نصّت المادة/11/ من قانون إنشاء المجلس الدستوري الرقم 250 /1993 المعدّل، أنّ أي إجتماع للمجلس الدستوري وحتى يكون قانونيًا، يجب أن يحضره ثمانية أعضاء على الأقلّ. وبالتالي، بات المجلس الدستوري مُعطّلاً ومشلولاً، وبات التشريع مُحرّرًا من أي قيد على الإطلاق.
ونصّت المادة الرابعة من القانون نفسه، أنّه وفي حال شغور مركز أحد الأعضاء بسبب الإستقالة أو العجز الصحّي أو الوفاة أو لأي سبب آخر، يُعلن المجلس حصول الشغور وفقًا للأصول، ويبلّغ رئيس المجلس ذلك خلال أسبوع إلى المرجع الذي إختار العضو الذي شغر مركزه، لأخذ العِلم، وتعيين عضو بديل، خلال مهلة شهر من تاريخ أخذ العِلم بذلك.
مما يُفيد، أنّ الطعن والذي تقدّم به تكتُّل «الجمهورية القويّة»، بات مُهدّدًا بالإسقاط، لِتعذُّر الفصل به، لإفتقاد نصاب المجلس الدستوري اللازم توافره للبّت بالمُراجعة المذكورة.
وإنطلاقًا من ذلك، ألا يحّق لكل مواطن، طرح الأسئلة الآتية:
• كيف يُعقل لمراجعة دستورية، مُقدّمة سندًا للأصول، وضمن المِهَل، ومستوفية الشروط، أن تُسقَط وتُهمَل، ولا يُبَّت بها، بسبب تقصير السلطة في ملء فراغ حصل في مؤسسة المجلس الدستوري، بوفاة العضوين القاضي الياس بوعيد والقاضي عبدالله الشامي، حيث كان يقتضي على الحكومة تعيين بديلَين منهما ؟؟؟.
• كيف يُعقَل لِمُراجعة دستورية مرتكزة على نصوص دستورية، وتَتّسِم بالجدّية، وذلك ثابت في قرار تعليق مفعول القانون موضوع الطعن، كَون لا يُقدِم المجلس الدستوري على إتّخاذ قرار بوقف النفاذ، ما لم يتلمّس جدّية في المنازعة، (القرار 1 /1995 تاريخ 11/2/1995 الصادر عن المجلس الدستوري اللبناني) أن تُهمَل وتُخنَق في مهدها ؟؟؟.
• كيف يُمكن ان نسمح لسُلطة فاسدة أن تعبث بحقوق مودعين، وتستولي على أموالهم المُتبقّية، بحجّة عدم تأمين نصاب؟ وذلك ممكن راهنًا بإنتخاب خَلَف للقاضي المغفور له القاضي أنطوان بريدي من قِبَل المجلس النيابي، بجلسة تُعقد مباشرةً بعد عيد الفطر السعيد، على أن يلتحق القاضي الخَلَف بزملائه مباشرةً، بعد قَسَمه اليمين، قبل إنقضاء مهلة الخمسة عشر يومًا والتي تَلي تاريخ الدعوة الى الجلسة الأولى من قِبل رئيس المجلس الدستوري، للبّت بالمُراجعة والفصل بها.
كلّ ذلك يستدعي مُستقبلاً، إيجاد الحلول والمخارج لأي تعطيل لعمل المجلس الدستوري.
ومن هذه الحلول إعتماد الآلية والمعتمدة في فرنسا مثلاً، بخصوص المراقبة على دستورية القوانين.
ففي فرنسا، بعد أن يقرّ البرلمان الفرنسي القانون في صورة نهائية، فالمراجعة يمكن أن تُقدّم به قبل إصداره أصولاً، وقبل أن يصبح نافذاً وساري المفعول. فهذه المراجعة المُسبقة a priori في فرنسا تُحصّن القانون، وتمنحه قرينة التطابق للدستور، وتَحول دون التعرُّض مُستقبلاً لأي حقوق مُكتسبة مُمكنة Droits acquis.
أمّا في لبنان، يصدر القانون بتوافق الأكثرية النيابية، ويُنشر في «الجريدة الرسمية»، ويُصبح نافذًا. بعدها يُفتح باب الطعن أمام المجلس الدستوري، ضمن أصول صعبة التحقيق والمنال.
وفي الخِتام، فإنّ الجهة الطاعنة بقانون مَنح مؤسسة كهرباء لبنان سلفة (والتي هي بالحقيقة «منحة») من جيوب المودعين ومدّخراتهم، في شكل مخالف للدستور والمواثيق الدولية، قد قامت بدورها. وأثبت نوّاب تكتّل «الجمهورية القوية» أنّهم يُشرّعون ويراقبون ويُحاسبون. أمّا بعد، فعلى السلطة ممارسة دورها، فعلى المجلس النيابي أن يُبادر فورًا إلى إنتخاب الخَلَف في مهلة مُقصّرة إلى حدّها الأقصى، وتحديدًا بعد عيد الفطر السعيد. أمّا في ما خصّ الحكومة، فالأمر في إنتظار تشكيل حكومة عتيدة.
ويبقى السؤال، لماذا المجلس الدستوري لا يتبنّى نظرية القوّة القاهرة حؤولاً دون إسقاط الطعن؟؟؟. لا سيما، وأنّ شروط القوّة القاهرة متوافرة. والجهة طالبة الطعن لا علاقة لها بسبب إفتقاد النِصاب؟.
ألا يستدعي الأمر تفكيرًا أو إجتهادًا بخصوص تعليق المِهَل؟.
ويجب أن لا ننسى، أنّ العدل أساس المُلك، وعندما نفقد العدل، نفقد الأمان ونفقد الدولة ونفقد المُلك. حمى الله لبنان.