يبدو ان المجلس الدستوري، بدوره، على موعد مع تصريف الاعمال، على غرار الكثير مما يجري في كل مكان. بانتهاء ولاية المجلس الحالي يقتضي اختيار آخر. لكن الاهم اكثر انتخاب رئيس الجمهورية كي يؤدي اليمين امامه
تنتهي ولاية المجلس الدستوري في 5 حزيران المقبل توطئة لانتخاب خلف له. مع اقفال باب الترشح، ثمة 26 مرشحاً فحسب لعشرة مقاعد يصير الى اختيارهم مناصفة بين مجلس النواب انتخابا ومجلس الوزراء تعيينا. وخلافا للمجلس الحالي الذي ترشح لعضويته 96 مرشحا عام 2009، فان العدد الحالي للمرشحين يُعد لاكثر من مشكلة:
اولاها، ان لا مرشح كاثوليكيا لمقعد الطائفة في المجلس، علما ان ثمة مرشحا واحدا هو استاذ جامعي لا يستوفي احد الشروط القانونية، وهو انقضاء 25 عاما في التعليم الجامعي، فيما المرشح الكاثوليكي الوحيد يكتفي بـ15 عاما، ما يعوق الموافقة على طلب ترشحه.
ثانيها، ان عدد مرشحي المذاهب الاخرى متفاوت، وبعضه متدن الى حد تضييق الخيارات في الانتخاب او التعيين: للمقعدين السنيين ثلاثة مرشحين، للمقعدين الارثوذكسيين ثلاثة مرشحين، للمقعد الدرزي الواحد ثلاثة مرشحين. في المقابل يترشح ثمانية لمقعدي الموارنة، وثمانية لمقعدي الشيعة، الى مرشح عن السريان الكاثوليك. بذلك يكون على السلطتين الاشتراعية والاجرائية اختيار عشرة من 26 مرشحا فقط.
وخلافا لما كان عليه المجلس عند تأسيسه عام 1994، بعدم اشتراط الترشيح المسبق بحيث يترك لمجلس النواب ومجلس الوزراء الاختيار، بات الترشح شرطا ملزما منذ عام 2008 عند تعديل قانون انشاء المجلس الدستوري لهذه الغاية.
ثالثها، ضرورة اعادة فتح باب الترشيح لعضوية المجلس بغية تعزيز خيارات الانتخاب والتعيين. بيد ان ذلك يقتضي تعديل قانون انشاء المجلس الدستوري الذي يرعى مهل التقدم بطلبات الترشح للعضوية. يتحدث قانون المجلس عن سريان مهلة الترشح قبل 90 يوما من انتهاء ولاية المجلس الحالي، على ان تنتهي بعد 30 يوما من بدء المهلة. ما يقتضي مسارعة مجلس النواب الى بتّ الثغرة بفتح باب الترشح مجددا تبعا لمهل جديدة.
لكن عراقيل اخرى تنتظر هذا الاستحقاق:
1 ـ رغم ان موعد نهاية الولاية لا يزال بعيدا نسبيا، وهو 5 حزيران، الا ان ثمة اجراءات تبدو ملحة منها مبادرة مجلس النواب الى اقتراح تعديل قانون انشاء المجلس الدستوري بفتح باب الترشح مجددا قبل 31 ايار، وهو موعد انتهاء العقد العادي الاول لمجلس النواب. الى اليوم يكاد يقترب البرلمان من اجتياز نصف مدة العقد العادي الذي بدأ في 17 آذار، من غير ان يتسنى له الانعقاد في جلسة عادية تحت وطأة استمرار الجدل المفتوح والعالق منذ شغور رئاسة الجمهورية، بين ان يلتئم لانتخاب الرئيس او لتشريع الضرورة. ورغم وجود تفاهم مسبق على تشريع الضرورة في اضيق نطاق، يعوّل رئيس المجلس نبيه بري على عقد جلسة واحدة على الاقل قبل انقضاء العقد العادي، بسبب تعذّر التوافق على آلية اصدار مرسوم فتح عقد استثنائي في مجلس للوزراء يتولى صلاحيات رئيس الجمهورية. اذ تختص الصلاحية برئيس الجمهورية بالاتفاق مع رئيس الحكومة، او استجابة طلب الغالبية النيابية.
2 ـ يقول بري ان من الضروري التشاور مع رئيس الحكومة تمام سلام على مقاربة انتخاب اعضاء المجلس الدستوري او تعيينهم، بما لا يتسبب بتكرار سابقة خبرها مجلس النواب عام 2005 عند انتخابه خمسة اعضاء في المجلس الوطني للاعلام، ففاز مرشحان كاثوليكيان لمقعد واحد للطائفة، ما خرّب التوازن المذهبي في المجلس الوطني وحرم السنّة مقعدهم الثاني فيه.
مغزى ما يشير اليه رئيس البرلمان ان يصير اولا الى انتخاب مجلس النواب الاعضاء الخمسة الاول، من ثمّ في ضوء نتائج الاقتراع واحترام قواعد التمثيل المذهبي بما لا يترتب عليه اي خلل، تعيّن الحكومة في ما بعد الاعضاء الخمسة الآخرين، او تتولى عندئذ تصويب الخلل المحتمل. على ان ذلك، بحسب بري، يوجب التفاهم مع رئيس الحكومة ليس على الاسماء حتما، وانما على آلية تضمن تمثيل المذاهب جميعا في المجلس الدستوري تبعا للحصص المتفق عليها بما يكفل التوازن داخله.
يتوزع الاعضاء العشرة على مقعدين لكل من الموارنة والسنّة والشيعة والروم الأرثوذكس، ومقعد واحد لكل من الدروز والروم الكاثوليك. الا ان قانون انشاء المجلس لا ينص على هذا التوزيع، السائد عرفا منذ عام 1994.
3 ـ يواجه اكتمال عقد المجلس الدستوري الجديد، بعد انتخاب الاعضاء او تعيينهم، عقبة اضافية هي ان ايا منهم لا يسعه ممارسة عمله قبل اداء اليمين امام رئيس الجمهورية، ما يجعله مجمّد الدور في ظل الشغور الحالي، الى ان ينتخب الرئيس كي يتمكن الاعضاء العشرة من اداء اليمين. وبحسب الرئيس الحالي للمجلس الدكتور عصام سليمان، ليس في وسع حكومة سلام ـ وان في ظل انتقال صلاحيات رئيس الجمهورية اليها بعد الشغور ـ التحوّل هيئة جماعية بوزرائها الـ24 يمثل امامها الاعضاء العشرة في المجلس الدستوري لاداء اليمين. ويلاحظ ان الصلاحية مقيّدة برئيس الجمهورية ومرتبطة بشخصه حصرا انسجاما مع المادة 49 التي تجعله مؤتمنا على الدستور، وتاليا هو الذي يؤدي وحده القسم له عملا بالمادة 50.
الى اعضاء المجلس الدستوري، يصحّ ذلك ايضا ـ يقول سليمان ـ على تعيين السفراء واعتمادهم وعلى مثول قضاة مجلس القضاء الاعلى امام رئيس الجمهورية. صلاحية كهذه لا تناط بمجلس الوزراء مجتمعا.
على ان تعذر مثول اعضاء المجلس الدستوري امام رئيس الدولة يفضي حكما الى المادة 4 من قانون انشاء المجلس، القائلة باستمرار العضو المنتهية ولايته الى حين تعيين بديل منه، ومن ثم اداء العضو البديل اليمين امام رئيس الجمهورية. يمسي اداء اليمين فاتحة تولي المسؤولية لا التعيين فحسب.