استمرار الخلافات السياسية على حالها عامل سلبي يعيق انطلاقة العمل الحكومي
الحكومة تسابق الوقت لتنفيذ ما التزمت به من مشاريع ضرورية والتحضير لمؤتمرات الخارج
مشروع الكهرباء أسير أطراف سياسية ويستنزف اللبنانيين وملف النفايات مشكلة بيئية خطيرة تُهدّد كل لبنان
تسابق الحكومة الوقت المتبقي من عمرها المحدود بأشهر قليلة لتنفيذ ما تعهدت القيام به أمام اللبنانيين من مشاريع حيوية وضرورية وخطط والتزامات قبل حلول موعد الانتخابات النيابية المقبلة، لئلا يدهمها الوقت المتسارع وتنهمك في التحضيرات والإجراءات المطلوبة لإتمام هذا الاستحقاق الدستوري المهم وتتخلف عن تنفيذ ما وعدت به.
ولا شك ان أزمة استقالة الحكومة خلال تشرين الثاني المنصرم والخلافات السياسية التي استتبعتها بخصوص مرسوم الترقيات وغيرها من الخلافات السابقة قد استهلكت وقتاً لا بأس به من عمر الحكومة وهي كانت بأمس الحاجة إليه لمقاربة المشاريع والملفات والقضايا المطروحة والمباشرة باتخاذ القرارات بشأنها، ولم يعد امامها الا استغلال كل ساعة امامها لكي تنجز إقرار هذه المشاريع قبل فوات الأوان.
وكما هو معلوم فإن التفاهم على قانون الانتخابات الجديد وما تتطلبه من جلسات واجتماعات ماراتونية طويلة والانكباب على إقرار السلسلة الرتب والرواتب لأهمية هذين الملفين خلال العام المنصرم، قد حجب الاهتمام جزئياً عن استكمال البحث في مشروعين مهمين، مشروع زيادة لا يقل عن مشروع الكهرباء ايضا، بالرغم من الحاجة الماسّة لهذين المشروعين الضروريين في حياة كل اللبنانيين من دون استثناء ولإطلاق عجلة الاقتصاد الوطني، إن كان بالنسبة لقطاع الأعمال عموماً أو السياحة والصناعة أو البيئة وغير ذلك أو لسمعة لبنان ككل بالداخل والخارج معاً، ولا يخفى علىاحد مدى تشابك هذين المشروعين الحيويين بالخلافات السياسية والتنافس بين السياسيين للحصول على ما يُمكن من حصص ومكتسبات لبعضهم جرّاء الموافقة عليهما ووضعهما موضع التنفيذ الفعلي، كما كان يحصل من قبل وخصوصاً مشروع الكهرباء الذي بقي منذ تسعينات القرن الماضي أسير أطراف سياسية معروفة وخاضع لمصالحها ورغباتها ويستنزف أموال اللبنانيين والخزينة اللبنانية بمليارات الدولارات وفي ذات الوقت يمنع مقاربته أو وضع معالجات نهائية له بالرغم من كل الشكاوى وعذابات اللبنانيين جرّاء حرمانهم من التغذية الكهربائية المطلوبة والمعتادة.
وكذلك الأمر بالنسبة لملف النفايات الذي اصبح مشكلة بيئية خطيرة تُهدّد كل لبنان بعدما حولته الخلافات السياسية والتنافس للحصول على حصص ومكاسب منه إلى مشكلة مستعصية يُعاني منها اللبنانيون منذ أكثر من سنتين ومرشحة للتفاعل إذا لم تؤد النقاشات إلى إيجاد حل دائم وشامل له على طاولة مجلس الوزراء في الأيام القليلة المقبلة بالرغم من التفاهمات المبدئية التي يتم التوصل إليها في جلسة مجلس الوزراء الأخيرة وما اتخذ من قرارات بشأنه.
إضافة إلى هذين الملفين المهمين، هناك التحضيرات المطلوبة من الحكومة لإنجاح ثلاثة مؤتمرات مهمة، الأوّل مؤتمر باريس لدعم الاقتصاد اللبناني ومؤتمر روما لدعم الجيش والقوى الأمنية اللبنانية ومؤتمر دعم حاجات ومتطلبات اللاجئين السوريين بلبنان.
فهذه المؤتمرات تتطلب جهوداً وخطوات ملموسة وموثوقة من الحكومة اللبنانية لتوفير النجاح لها وتحقيق المردود الإيجابي منها للنهوض بالاقتصاد اللبناني وتوفير الحاجات المطلوبة لتنفيذ المشاريع الحيوية والضرورية في مختلف المناطق اللبنانية، لأنه من الضروري إعادة إطلاق الدورة الاقتصادية التي تضررت بفعل تداعيات الحرب الدائرة بسوريا وما نتج عنها من اضرار لحقت بالاقتصاد اللبناني ومن تدفق اللاجئين السوريين إلى الأراضي اللبنانية وبأعداد تفوق قدرة لبنان على تحملهم.
وبالتزامن مع التحرّك السريع والمتواصل للحكومة اللبنانية لوضع المعالجات المطلوبة واتخاذ القرارات التنفيذية اللازمة للمباشرة بعملية تنفيذ مشروعي الكهرباء والنفايات، وإنجاز ملفات المؤتمرات الثلاثة الداعمة للبنان بالخارج، يلاحظ ان وتيرة الاهتمام السياسي وانشغال بعض الوزراء والمسؤولين في الدولة بملف الانتخابات النيابية المقبلة، يزداد يوماً بعد يوم بالرغم من طول المدة المتبقية لحلول موعد هذا الاستحقاق الدستوري، الأمر الذي يُخشى معه ان يؤدي الانغماس السياسي المبكر نسبياً بالانتخابات إلى الانشغال جزئياً أو كلياً عن الاهتمام بالشأن الحكومي بكل تبعاته وملفاته وإلى تأجيل البت بالمشاريع والمسائل والملفات الحياتية إلى ما بعد الانتخابات النيابية وهذا ما يلحق الضرر بمصالح المواطنين وحاجاتهم.
ولذلك، وفي ضوء ما تقدّم، فإن الحكومة هي الآن امام جملة تحديات دقيقة لاستغلال ما تبقى لديها من وقت قصير لتنفيذ ما وعدت به اللبنانيين من مشاريع وخطط حيوية ضرورية لإنتظام وتسيير حياتهم اليومية وللقيام بكل التحضيرات المطلوبة لإنجاح المؤتمرات الدولية المطلوبة للنهوض بلبنان وذلك تكريساً لشعار إعادة الثقة، ثقة المواطن والخارج بالحكومة والدولة قبل الانشغال بالعملية الانتخابية كما تحصل في مثل هذه الحالات. وبالطبع فإن مثل هذه المهمة ليست سهلة في حال استمرت وتيرة الخلافات الجانبية على حالها ولم تفلح المعالجات في وضع حدٍّ لها.