IMLebanon

إستمرار التجاذبات السياسية يعيق انطلاقة الدولة ويقلص ثقة الناس بالمسؤولين

    قانون الإنتخاب دخل في خضم الكيدية السياسية وتصفية الحسابات بين الرئاستين الأولى والثانية

    إن ما يحصل حالياً من تجاذب سياسي حاد عنوانه قانون الإنتخاب الجديد ولكن أبعاده تتخطى هذا العنوان

كلما تم الحديث عن تقدم ملموس باتجاه الاتفاق على قانون جديد للانتخاب، لا تلبث الامور ان تعود الى الوراء من جديد، وهذا ما حصل بالفعل خلال اليومين الماضيين عندما تردد ان معظم الاطراف الاساسيين وافقوا على الصيغة التي حملها النائب جورج عدوان في جولاته على القادة السياسيين بانتظار جواب «التيار الوطني الحر» وملاحظاته على الصيغة المذكورة بما يوحي وكأن صيغة القانون المذكور قد سلكت طريقها النهائي نحو التوافق عليها.

ولكن تبين فيما بعد ان ما روج له عن اتفاق شبه نهائي حول صيغة قانون النائب عدوان لم تكن دقيقة وانما كان الحديث عن نجاحها مبالغاً فيه بعض الشيء وربما كان الهدف من ذلك إشاعة اجواء تفاؤلية لدى الرأي العام في مواجهة العقبات والتعقيدات التي تواجه التوصل الى صيغة توافقية لقانون الانتخاب وابقاء الآمال معلقة على التحركات السياسية المتواصلة في سبيل التوصل الى الصيغة المقبولة من كل الاطراف.

ولا شك ان تجميد مرسوم الدعوة لفتح دورة استثنائية للمجلس النيابي كي يتم خلالها التوصل الى القانون المرتجي وعدم توقيع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون عليه كما كان مأمولاً خلال الايام الماضية والرد الذي قدمه رئيس المجلس النيابي بري حول مفهومه للمادة 59 من الدستور وكيفية احتسابه لمدة تعطيل المجلس النيابي، استناداً للمادة المذكورة وكأنه بمثابة «دين» كما سماه وبإمكانية المجلس استعماله متى يشاء، اعطى انطباعاً ملموساً لدى الرأي العام بأن قانون الانتخابات الجديد ما يزال اسير الخلاف السياسي المحتدم بين رئيس الجمهورية من جهة ورئيس المجلس النيابي من جهة ثانية، على خلفية ذيول الانتخابات الرئاسية وما قبلها وبعدها في مسائل مختلف عليها، إن كان في الكهرباء او النفط وغيرها من الامور المعروفة.

وإذا لم تنجح الاتصالات التي تواصلت في الساعات الماضية لتبريد الاجواء واعادة وتيرة المشاورات بين مختلف الاطراف كما كانت من قبل بهدف التوصل الى تذليل العقد والصعوبات المطروحة وخصوصاً في مسألة نقل بعض النواب المسيحيين من دوائر معينة وعقدة الصوت التفضيلي وغيرها، فهذا يعني دخول مسألة التوصل الى قانون انتخابي جديد في غمرة الصراع السياسي الحاد بين الرئاسة الاولى والثانية، وبالتالي فإن كل المحاولات المبذولة لانقاذ صيغة قانون الانتخاب المرتقب محكومة بالفشل مسبقاً.

إذ لا يمكن التوصل الى توافق على اي قانون مهما كانت صفته وتأثيره على اي ناحية من نواحي الحياة اذا استمر الخلاف السياسي متأججاً بين الرئاسة الاولى والثانية على حاله وضمن دائرة الاحتقان التي تحكم علاقات الرئاستين بعضها ببعض.

وعندها لا تنفع حملات التراشق السياسي مباشرة او بالواسطة في انقاذ الوضع السياسي القائم من تعثره ومنع الانعكاسات السلبية الضارة على كل القطاعات الحياتية والاقتصادية، بل سيؤدي ذلك الى تعطيل مسيرة الدولة اللبنانية ككل والى إعادة الامور الى الوراء، لأن تردي الوضع السياسي وتنامي حدة التجاذب السياسي كما هو حاصل حالياً سيعيق حتماً انطلاقة العهد والاضرار بسمعته والى تعثر الحكومة في محاولاتها لتحريك الوضع الاقتصادي وتحسين مستوى التقديمات الاجتماعية للمواطن.

فالحديث عن خرق الدستور والتمترس خلف الكيديات السياسية من هنا وهناك لحشر اي من الرئاستين يعني استهلاك مزيد من الوقت الضائع وانقضاء ما تبقى من مهل واعادة الامور الى الوراء من جديد وهذا سينعكس سلباً على الوضع السياسي العام والى حالة التنافر والخصومة السياسية بين الرئاستين كما كانت قبل الانتخابات الرئاسية.

كان بالامكان اختصار كل هذه الاساليب والممارسة الكيدية المكشوفة واستغلال الجو الملائم والقبول المبدئي من الاطراف الآخرين المؤثرين بصياغة قانون انتخاب جديد باتجاه تحقيق التوافق المقبول حول القانون المرتجى والمباشرة بالتحضيرات اللوجستية المطلوبة لإجراء الانتخابات النيابية المقبلة في وقت لاحق.

ولكن ما يحصل من تنافر ومواجهة سياسية يعطي انطباعاً لدى الرأي العام بأن المرحلة المقبلة لن تكون افضل من المرحلة الحالية، لأنه لو تم تخطي الصعوبات والكيدية القائمة وتم التوصل الى اتفاق حول الصيغة المأمولة لقانون الانتخاب الجديد فيما تبقى من مهل ممددة او مستنسبة من هذا الطرف او ذاك، فستنشب خلافات وتجاذبات على امور وقضايا ومصالح تحكم العلاقات بين الرئاستين في المرحلة المقبلة بعد اشارات ووقائع عديدة بدأت بالظهور. وهذا يعني ان على اللبنانيين ان يتحضروا لمزيد من الخلافات السياسية لا سيما ان ما تردد منذ مدة على نية مبيتة لتصفية الحسابات القديمة، ان كان من خلال تعطيل كل محاولات التوصل الى اتفاق حول قانون جديد للانتخابات والدخول عمدا في مرحلة الفراغ للمجلس النيابي وما يقابل ذلك من اساليب وممارسات لمنع احتكار مسألة التعطيل التي اصبحت شعاراً للابتزاز السياسي وتحقيق مطامح غير محمودة كما يتردد من وقت لآخر على ألسنة اصحابها.

ولا شك ان ما يحصل حالياً من تجاذب سياسي حاد عنوانه قانون الانتخاب الجديد ولكن ابعاده تتخطى هذا العنوان الى ما هو ابعد من ذلك وهذا سيتكشف للبنانيين رويداً رويداً في المرحلة المقبلة والنتيجة الوحيدة هي زيادة النقمة على السياسيين برمتهم وتراجع ثقة المواطن بهم واستمرار تعثر قيام الدولة الى حين.