Site icon IMLebanon

العقد السّهلة والصّعبة  

 

يبدو أنّ ثمّة قدر تعطيلي لتشكيل الحكومات معقود لوزير الخارجية جبران باسيل، لغة التهديد والحديث عن نفاد الصّبر «ما بتنصرف» في موضوع تشكيل الحكومة، بات الأمر شديد الوضوح، وإذا كان الدّستور ينصّ على تشكيل الرئيس المكلّف بالتشاور مع رئيس الجمهوريّة، إلا أنّه لا يوجد نصّ في الدّستور ولا عرفٌ سياسي يقول بإحالة رئيس الجمهوريّة لرئيس الحكومة المكلّف في هذا التشاور لوزير أو وكيل أو مندوب أو رئيس حزب، هذه صلاحيّة منوطة فقط برئيس الجمهوريّة، والأجواء التي أشيع أنّها تفاؤليّة بعد زيارة الرئيس المكلّف لم تكن كذلك في الحقيقة بمجرّد عدم بتّ رئيس الجمهوريّة مباشرة فيما أطلعه عليه رئيس الحكومة المكلّف وقام بإحالته على انتظار عودة رئيس التيار الوطني الحرّ وزير الخارجيّة جبران باسيل!!

 

الصلاحيّات، إذا كان أصحابها يريدون ممارستها، يجب عليهم أن يمارسوها بأنفسهم، الصلاحيّات على مستوى الرئاسات الثلاث لا تجيّر لكائن من كان، ويحقّ لرئيس الجمهوريّة أن يستدعي من يشاء لحضور اجتماعه مع الرئيس المكلّف ليسأله ويطّلع منه على رأيه، ما نشهده سابقة لم يعرفها لبنان من قبل، فإذا كانت الإحالة على الوزير جبران باسيل بصفته رئيساً للتيّار الوطني الحرّ، فهذه مخالفة كبرى لكون رئيس الجمهوريّة «حَكَمٌ» بين كلّ الأطراف، وهذا يخرجه عن دوره كحكم إذ لا صفة دستوريّة لرئيس حزب ما تخوّله أن يكون شريكاً في تشكيل الحكومة، وعليه أن يكتفي بحقّه المماثل لباقي الأحزاب والتيّارات بتقديم مطالبه لرئيس الحكومة المكلّف وليس أكثر، وإذا كانت إحالته على باسيل بصفته وزير خارجيّة فهذا أمرٌ عليه عشرات علامات الاستفهام إذ لا صفة دستوريّة لأي وزير تفرضه شريكاً لرئيس الجمهوريّة ورئيس الحكومة المكلّف في تأليف الحكومة، أمّا إذا كان بصفته «صهر الرئيس» فهذه طامّة كبرى وتشكّل خرقاً فادحاً للدستور اللبناني!!

حتى الساعة تبدو عقدة العقد التي تعطّل تشكيل الحكومة هي وزير الخارجيّة جبران باسيل، لقد نفد صبر كلّ الفرقاء اللبنانيين من تعطيله لتشكيل الحكومة ورغبته في فرض الحصص وفرض وزراء من طوائف أخرى ليس له أدنى حقّ في اختيار ممثليهم، أو محاولة تحجيم فريق مسيحي تضاعف حجمه بعد الانتخابات النيابيّة، لغة «نفاد الصّبر» تهديد لصلاحيات دستوريّة منوطة بالرئيس المكلّف، منذ بدء مهمّة تشكيل الحكومة ونحن نشهد عرقلة من فريق واحد يحاول فرض «تشكيلته» هو على الرئيس المكلّف، والمؤسف أن محاولات الاستيعاب المستمرّة لمحاولات وزير الخارجيّة قد تودي بالبلاد إلى أزمة دستوريّة خطيرة، فمتى يخرج الصامتون عن صمتهم؟!

وهنا لا بدّ لنا من التذكير بأنّه صحيح أن هذا العهد هو «عهد الرئيس ميشال عون»، ولا يوجد أحد ينازعه عهده، ولكن الحكومة العتيدة هي حكومة تمثّل كلّ اللبنانيّين، وهي التي تحكم لبنان مجتمعة، وهي حكومة يتمثّل فيها كلّ الفرقاء اللبنانيين بعد نتائج انتخابات واضحة، ويجب أن يتمثّلوا فيها بحقّهم وبما يرضيهم لا بما يرضي شخص وزير الخارجيّة ورغباته!

أغلب الظنّ أنّه على الرئيس المكلّف أن يتّخذ موقفاً حازماً من هذا الخرق الدستوري الذي ينتقص من صلاحياته الدستوريّة، وأن يرفض أن يكون تشاوره بشأن تشكيل حكومته إلا مع رئيس الجمهورية فقط الذي أناط به الدستور التشاور معه وحده، أمّا إحالته على وزير ليتشاور معه فهذه سابقة تقلّل من احترام مقام الرئاسة الثالثة، وعلى الرئيس المكلّف أن يبادر سريعاً للمحافظة على صلاحياته الدستوريّة وفوراً.