IMLebanon

الفاسدون في رومية: عفا الله عمّا مضى؟

توحي الأجواء الاحتفالية التي رافقت دهم سجن رومية، ولا تزال مستمرة، بأنه ما من أحد، سياسياً كان أو أمنياً، سيُحاسَب على مسؤوليته عن التسهيلات التي حصل عليها السجناء ومكّنتهم من إقامة أسس «إمارتهم» في السجن، والتخطيط لعمليات إرهابية أودت بحياة العشرات

في 12 كانون الثاني الماضي، حسمت القوى الأمنية، في أربع ساعات، «انتفاضة» إسلاميّي سجن رومية التي بدأت مطلع نيسان 2011. بحسب التقارير الأمنية، لم يكن عدد السجناء الموقوفين بجرائم إرهاب يتجاوز الأربعين قبل عام 2007، وكان هؤلاء موزعين على الأقسام الأربعة في السجن المركزيّ، لكن العدد تضاعف أكثر من ست مرات، إثر توقيف عدد كبير من مقاتلي «فتح الاسلام» في أحداث نهر البارد، وفي تفجيرات وأحداث أمنية أخرى، ليتجاوز العدد الـ 250.

من يطلع على الجدول الخاص بسجناء «فتح الإسلام»، يلحظ أن نصفهم تقريباً فلسطينيون، والنصف الآخر من جنسيات مختلفة: 35 فلسطينياً، روسي، ألماني، عماني، تونسيان، جزائريان، يمنيان، 5 سعوديين، 9 سوريين، و15 لبنانياً. معظم هؤلاء اعتقلوا في وقت كانت فيه وزارة الداخلية في عهدة تيار المستقبل ممثلاً بالوزير حسن السبع، ومن بعده النائب أحمد فتفت. وقد خُصّص الطابق الثالث من قسم الموقوفين «ب» لمعظم سجناء الارهاب، وأنشئت مجموعة أمنية خاصة لإدارة هذا الطابق وحراسته، أشرف المدير السابق لقوى الأمن الداخلي الوزير أشرف ريفي على اختيار عناصرها ومتابعة عملها. وعموماً، التزم سجناء الإرهاب الهدوء بين عامي 2007 و2011، رغم أعمال شغب بين وقت وآخر لتحقيق بعض المطالب الحياتية، كما نُظّمت تحركات شعبية ومؤتمرات صحافية لنواب شماليين، حاليين وسابقين، تطالب بمراعاة أوضاع السجناء، وحرصت مرجعيات دينية وسياسية على متابعة أوضاعهم.

في 1 نيسان 2011 نشب ما وصف بـ «الانتفاضة الكبيرة» في رومية للمطالبة بالعفو العام، وواكبتها تحركات ميدانية لأهالي المساجين في مناطق عدة. وفي موازاة الضرر الكبير الذي لحق ببنية السجن التحتية (إمدادات كهربائية وهواتف وشبكة صرف صحي)، حقق سجناء القسم «ب» هدفهم الرئيسي المتمثل بخلع أبواب النظارات ونزعها بالكامل للحؤول دون ضبطهم مجدداً وعزلهم في غرفهم. وسرعان ما اعتمدوا استراتيجية ذكية لتحطيم معنويات العسكريين، عبر افتعال مشاكل بحجة نقص مياه الشرب أو إجراءات تفتيش ذويهم، وفي كل مرة كانوا يبقون في منأى عن المحاسبة، حتى بعدما تسببوا، في 23/9/2011، في إصابة ثلاثة ضباط و25 عنصراً بجروح بالغة بعدما باغتوهم في دورة عملهم اليومية.

هكذا تقلصت، أكثر فأكثر، سلطة الدولة التي تنازلت عن حقها بالتفتيش في ظل سعيها الحثيث لاسترضاء المساجين. وبات في السجن غرفة عمليات تواكب العمليات الإرهابية في الخارج، يقول فرع المعلومات في أحد تقاريره إنها تضم «وسائل اتصال متطورة عبر الهواتف الخلوية وشبكة الانترنت»، ومصنعا للسيوف والخناجر والحراب، وغرفة للإرشاد الديني والنصح. وانتقلت إدارة السجن، الى حد ما، الى الإسلاميين الذين فرضوا خوّات على بقية السجناء لضمان حصول هؤلاء على طعامهم وسائر احتياجاتهم. ويشير فرع المعلومات في أحد تقاريره الى أنهم بدأوا بيع الممنوعات و»الغرف الجيدة» وغيرها لمن يدفع من المساجين. وبلغت الفضيحة حد فرض نظام خاص داخل السجن ومحاكمة المخالفين في محاكم شرعية وإنزال عقوبات قاسية كالضرب والحجز الانفرادي وفرض الغرامات، كما سُجّل شنق سجينين: غسان فندقلي (17/1/2013) ومحمد العرب (28/10/2013)، من دون أن يحاسب أحد، سواء قاتلهما المباشر أو المسؤول في الدولة اللبنانية عن أمن السجناء. والأسوأ هو نجاح 8 سجناء بالفرار، من دون استقالة أو إقالة أي مسؤول، سواء في وزارة الداخلية أو قوى الأمن الداخلي. وفي موازاة نشر السجناء حديد النوافذ، اكتشفت القوى الأمنية في 24/1/2012 فجوة في السور الخارجي للقسم «ب»، وهو من الباطون المسلح، بسُمك نحو نصف متر، كانت ستستخدم في عملية فرار جماعية استثنائية. ويشير فرع المعلومات في أحد تقاريره الرسمية إلى أن معالجة الوضع الخطير داخل السجن كانت تصطدم دائماً بعقبات تقنية وسياسية، وكان يُخشى من رد فعل الشارع في ظل تعاقب التوترات الأمنية والسياسية. مع العلم أن النواب والمسؤولين الذين كانوا يحركون الشارع ويحيطونه بحنانهم معروفون من الجميع.

اليوم يبلغ عدد سجناء الإرهاب في رومية 664 بينهم ماليزيون وتركي وأردني، يتوزعون على أكثر من 16 مجموعة. فقد انضم تباعاً إلى مجموعة فتح الاسلام، ثلاثة سجناء سوريين يعرفون باسم «مجموعة عين علق»، إضافة إلى مجموعة المطلوب أحمد الأسير التي تضم 8 فلسطينيين و7 لبنانيين و3 سوريين، ومجموعة «داعش» التي تضم 14 لبنانياً و11 سورياً، ومجموعة «النصرة» التي تضم 7 لبنانيين و5 سوريين، ومجموعة «الجيش الحر» التي تضم لبنانيين و10 سوريين وفلسطينياً، ومجموعة طرابلس التي تضم 5 سوريين و49 لبنانياً، ومجموعة بحنين التي تضم 20 لبنانياً، إضافة إلى 3 فقط متهمين بالانتماء مباشرة إلى تنظيم «القاعدة»، هم اللبنانيان حسام البكري وحسام الصباغ والسوري عمر جوانية (يلقب بالحمصي)، و3 متهمين بالانتماء إلى «كتائب عبدالله عزام»، هما لبنانيان وفلسطيني. وتشير الأرقام إلى نمو مطرد في عدد اللبنانيين المتهمين بالإرهاب، فبعدما كانت البنية الرئيسية لهذه التنظيمات تتألف من فلسطينيين وسوريين، غدا اللبنانيون مكونا رئيسيا في معظمها.

يبقى أن البطل الحقيقي في ظاهرة سجن رومية، التي يجمع أحد المخرجين الفرنسيين المعلومات المطلوبة عنها لتحويلها إلى فيلم سينمائي، ليس الإسلاميين ولا الوزير نهاد المشنوق، الذي أمّن النهاية المطلوبة، ولا من نجحوا بالفرار، بل من سمح بحصول كل ما سبق ذكره ــــ وأكثر ــــ وبقي دون محاسبة، سواء كان سياسياً أو امنياً.