توقّع اللّبنانيون أن تؤدّي الأزمة الإقتصادية إلى انخفاض كلفة إيجارات الشّقق السّكنية، لكنّ ذلك لم يحصل. بل وعلى العكس منه، فقد حاول الكثير من المالكين إستغلال الأزمة لرفع بدل الإيجار، وللضغط على المستأجر للدّفع بالدّولار أو بالليرة اللبنانية وفق سعر الصرف في السّوق السّوداء. وتُظهر نظرة على كلفة استئجار بعض الشقق المعروضة في العاصمة بيروت أرقاماٌ تكاد تكون خيالية ولا توحي أنّ البلد وسط أزمة اقتصادية. فمحظوظ من يجد له في هذه المدينة غرفة صغيرة في إحدى الشقق لقاء 500 ألف ليرة شهرياً.
وفيما تنذر الأوضاع بتفاقم أزمة السّكن، والتّي يعاني منها الجيل الشابّ، تقف الحكومة ومجلس النواب على الحياد، تاركين للمواطنين أن يتدبّروا أمورهم وأن يتعاقدوا في ما بينهم. في وقتٍ تفرض فيه المسؤولية على المعنيّين التدخّل لضمان تأمين حقّ المواطنين بالسّكن والتّخفيف من تداعيات الأزمة الإقتصادية.
وتبدو مهمّة البحث عن شقّة أو غرفة للإيجار في بيروت بأسعارٍ معقولة، مهمّة شاقّة، وفق ما يظهره حديث العديد من المستأجرين لـ”نداء الوطن”. ويستسلم بعض المستأجرين لسلطة المالكين، فيتجاوز الميزانية التي يكون قد حدّدها لاستئجار غرفة ولو على حساب ضروريات أخرى. فاختيار السّكن في العاصمة بيروت ومحيطها القريب جداً ليس رفاهية بالنّسبة لكثر، إنما ضرورة تفرضها طبيعة عملهم، في ظل غياب وسائل نقل عام، وارتفاع كلفة التنقل في سيارات الأجرة، والازدحام في الأيام العادية. يضاف إلى هذه الأسباب كون بيروت أكثر اماناً من غيرها من المناطق، خصوصاً بالنسبة الى الأفراد الذين يضطرون للسكن بمفردهم والتجوّل في أوقات متأخرة.
تبحث الزّميلة بشرى دندش مع خطيبها منذ مدة عن شقّة للسّكن في بيروت. تحكي دندش لـ”نداء الوطن” عن بعض تكتيكات وأساليب أصحاب الشقق لاستغلال المستأجرين ومحاولة فرض إيجارات مرتفعة عليهم. وتشير إلى أنّ بعض أصحاب الشقق يتّفقون مع الزبون قبل مقابلته على السعر بالليرة اللبنانية، لكن ولدى تفقّد الزبون الشقّة وفي حال لاحظ المالك إعجابه بها يبدأ بمشارطته بالدّفع بالدولار أو ما يوازي قيمته في السّوق السّوداء. كذلك لاحظت دندش أثناء بحثها عن شقة للإيجار عبر صفحات مواقع التواصل الإجتماعي، أنّ بعض المؤجّرين أو السّماسرة يدخل على الصّفحة الشّخصية للمستأجر المفترض ويحدّد التّسعيرة بناءً على المعلومات التّي يجمعها عنه. “عندما يعلم المؤجّر بأنّني أعمل في قطر يبدأ بمفاوضتي كي أدفع له بالدّولار، المالكون يعدّلون أسعار الإيجارات وفق وضع المستأجر”. كذلك عانت الصحافية الإقتصادية عزّة الحاج حسن من محاولات الاستغلال من قبل أصحاب الشّقق، قبل أن تتّفق مع مالك الشقّة التي تستأجرها على عدم رفع كلفة الإيجار. وخلال بحثها عن شقّة للإيجار شهدت الحاج حسن على نماذج من مؤجّرين يخيّرون المستأجر بين الدّفع نقداً بالدّولار، أو الدّفع بالليرة اللبنانية وفق سعر صرف الدولار في السوق السوداء المحدّد عند موعد الاستحقاق. ما يعني تفاوت كلفة الإيجار بين شهر وآخر وعدم معرفة المبلغ الذي ستدفعه عند الاستحقاق.
في اتصال مع “نداء الوطن” يبدو الإرتباك واضحاً على إحدى السماسرة العقاريين، ولدى سؤالها عن بدل الإيجارات تؤكد انها انخفضت “لأن الكثير من الناس ما عادت تملك المال، والأسعار صارت بالأرض”. وتحاول السيّدة التهرب من الإجابة بشكل واضح على الأسئلة، وتكتفي بالقول بأن الإيجارات تختلف وفق المنطقة. لكنّ جولة سريعة على صفحة “أنجيلينا فلات” التي تديرها السمسارة وتسوّق عبرها للشقق تظهر عكس ما تدعيه عن انخفاض كبير في الأسعار. بل وتؤكّد ارتفاع أسعار الغرف المعروضة للإيجار في بيروت. من جهته يؤكّد المحامي أديب زخور، رئيس تجمع المحامين للطعن وتعديل قانون الإيجارات، لـ”نداء الوطن” أنه لا يحق للمؤجر مطالبة المستأجر الدفع بالدولار، لأن العقود والتعامل في لبنان يحصل بالليرة اللبنانية ووفق السعر الرسمي، بحسب المادة 192 من قانون النقد والتسليف التي تنص على إلزامية قبول العملة اللبنانية تحت طائلة عقوبة الحبس والغرامة. لكنّ المالكين يتحايلون على هذه المادة عبر فرض تعرفة مرتفعة بالليرة في العقود الجديدة. ويبدو ان لا حلّ إلّا عبر تدخّل الدولة إذ أنّ الكثير من المؤجرين يفضّل إبقاء شققه فارغة على تأجيرها بسعر أقل. ويقترح زخّور أن تفرض الدّولة غرامة على الشّقق الفارغة، ما سيدفع لعرضها للإيجار، بالتالي ارتفاع العرض وانخفاض كلفة الإستئجار. كذلك يقترح المحامي تمديد العقود الحالية مدّة سنتين كي لا يتم رفع الإيجارات. وأن تقوم الدّولة بتحديد سقف لكلفة الإيجار. “فالاقتصاد الحرّ لا يعني مخالفة القانون والمتاجرة بالدولار عشوائياً”.