أرجأ مجلس الوزراء مجدداً إقرار طلب وزارة البيئة وقف العمل في بناء سد جنة، بعد نقاش تقني استهلك طيلة وقت الجلسة (نحو ثلاث ساعات ونصف الساعة) حول «صلاحيته واسباب نقله من تحت الى فوق، وجدوى السد اذا كانت كمية المياه التي يخزنها غير كافية وﻻ تتوافق مع ما كان مقررا، عدا عن النواحي الجيولوجية المتعلقة بمتانة السد». وخلصت النقاشات الى عدم التوافق على وقف العمل فيه او تقديم حل بديل لحين اجراء رئيس الحكومة تمام سلام اتصالاته، وستعقد الجلسة المقبلة يوم الخميس المقبل.
وتركز النقاش بشكل خاص بين وزيري الخارجية جبران باسيل والطاقة ارتور نظاريان من جهة ووزيري البيئة محمد المشنوق والاتصالات بطرس حرب من جهة اخرى، فقدم باسيل مطالعة مطولة دفاعا عن دراسات السد مستندا الى التقارير التي اعدتها وزارة الطاقة والشركات الملتزمة، وخلص بنهايتها الى ان سد جنة سيكون امتن من سد بسري الذي تحوم مخاطر حوله. ورد وزير البيئة بتقديم دراسة اعدتها وزارة الطاقة نفسها حول بعض المخاطر، وخاطب الوزير نظاريان بالقول: «بناء على هذه الدراسة انصحك بالتروي في استكمال بناء السد»، ولكن وزير الطاقة قال ان الدراسة غير كافية وغير مكتملة.
وقالت مصادر وزارية اخرى انه لا بد من انجاز السد مهما كانت الظروف ومهما كانت الآراء حوله متضاربة، خاصة ان الدولة تكلفت حتى اليوم نحو ثمانين مليون دولار، والشركة المتعهدة تطالب بعشرين اخرى بسبب التأخير في الاعمال، ويمكن ان تقاضي الدولة اذا توقف السد بمبلغ يتجاوز 150 مليون دولار.
واوضحت المصادر «ان الدراسة التي استند اليها المعترضون غير كاملة وتقريرها كان اوليا وليس نهائيا، وهو ملتبس وحمال اوجه»، مشيرة الى ان وزارة البيئة كلفت ايضا شركات لدرس صلاحية المشروع وخلصت إلى نتيجة سلبية.
واستغرب وزير الثقافة ريمون عريجي في مداخلته الاطار السياسي الذي وضع فيه المشروع بينما النقاش فني وتقني، وقال: «انكم تخيروننا بين ان نؤيد بناء السد فنصبح اعداء للبيئة، وبين ان نرفضه فنكون ضد المشاريع والإعمار، بينما عملنا هو ان نجد الحل، علما ان كل سد له محاذير وجوانب بيئية، كما اننا لم نتسلم أي تقرير او دراسة لنفهم حقيقة المشكلة. لذلك ندعو اما الى تكليف شركة متخصصة محايدة لوضع دراسة تقييم، واما ان تشرح لنا لجنة متخصصة من الوزارات كل المعطيات الفنية بموضوعية». وتابع: «انتم تطلبون منا اتخاذ قرار في موضوع كبير وله تبعات ومسؤوليات، بينما لم تقدموا لنا أي معطيات حوله».
وذكرت المصادر ان الوزيرين باسيل ونظاريان سيعقدان اليوم مؤتمرا صحافياً يشرحان فيه بالتفاصيل كل ما يتعلق بمشروع بناء السد.
وقال الوزير حرب بعد الجلسة: «النقاش كان هادئا وتركز على امور تقنية، وقد ابلغنا وزير الطاقة انه فوجئ بتغيير مكان السد. وقال الوزير الذي كان قبله انه عرف متأخرا بنقل مكانه. وكانت الحجة ان نقله من مكانه الى مكان اعلى يوفر قدرة استيعاب 70 مليون متر مكعب، بينما في المكان السابق كان سيخزن بين 35 و40 مليونا، لكن تبين حسب دراسات شركة ألمانية متخصصة انه لن يتسع ﻻكثر من سبعة ملايين متر، فلا يجوز ان ندخل في مشروع كلفته نحو 250 مليون دولار بشكل اولي قابلة للزيادة.. وقد طالبنا بمعرفة اﻻسباب ولم نحصل على جواب، علما ان احدا ﻻ يعارض بناء السدود برغم الكلفة البيئية، فالحاجة الى المياه اهم. واﻻهم ان نعرف الضرر البيئي نسبة الى جدوى السد ومتانته ونسبة الى كلفته العالية».
القرارات الرسمية
غاب عن الجلسة وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق، وزير الإعلام رمزي جريج ووزير العمل سجعان قزي، فتلا المقررات الرسمية وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس مشيراً إلى أن الرئيس تمام سلام استهل الجلسة بالتأكيد على ضرورة انتخاب رئيس للجمهورية، «منوهاً في الوقت عينه بالتجربة الديموقراطية الممتازة وهي تجربة الانتخابات البلدية، حيث تمت بنجاح تام يُشهَد فيه للمواطنين وللأجهزة الأمنية والادارية، وهذا يدل على عمق الاحساس الديموقراطي لدى الشعب اللبناني، وأن من يستطيع أن ينجز عملية مركبة كالانتخابات البلدية يستطيع بسهولة أن ينجز انتخابات الرئيس والانتخابات النيابية المرتقبة».
أضاف: كانت مناسبة لكي يوجه تحية الى روح الشهيد الكبير الرئيس رشيد كرامي في ذكرى تغييبه، وهو الذي كان يعتبر مثالأ يحتذى كرجل من رجال الدولة ومن رجال الوطنية، وقد ضحى بروحه في سبيل الوطن، وما زلنا نفتقد لرجال مثله ونعول على أن ذكراه ستكون دائماً مثلاً يحتذى.
بعد ذلك استغرق النقاش وقتاً طويلاً حول طلب وزير البيئة وقف العمل في سد جنة لأسباب بيئية، وقد طال الوقت ولم تنته الحكومة من دراسة سد جنة.
وأوضح أن النقاش كان تقنياً وفنياً، ولكن بعض الزملاء الوزراء كانوا يقولون إن هذا النقاش الفني يخفي وراءه موقفاً سياسياً، لم توضح هذه المواقف السياسية، وقد استطاع رئيس الحكومة بحنكته وصبره أن يجعل الأمور ضمن السيطرة، وهذا الأمر سيكون مدعاة للمناقشة من جديد ولكن بروح لا تمت الى التعصب والتحزب، فهذه مسألة فيها مصلحة لكل اللبنانيين، وقد أكد كل الوزراء أن لبنان بحاجة الى السدود وبحاجة الى استغلال المياه، وأن أحداً لا يستعمل هذا الأمر لكي يكيد سياسياً للآخرين، والمسألة بكل بساطة هي بعض التريث للتأكد من بعض الأمور الفنية والمسائل البيئية.