تطور لافت شهدته جلسة مجلس الوزراء، أمس، في معرض مناقشة تقرير وزير الاتصالات. فقد فُتح الباب أمام البحث العلني في بديل عبد المنعم يوسف، الموظّف الذي يشغل ثلاثة مناصب في الدولة اللبنانية خلافاً للقوانين والمتهم بأنه المسؤول عن معظم المشاكل التي يعاني منها القطاع. انطلق البحث في الجلسة عبر مطالبة أكثر من وزير بعزل يوسف من مناصبه، ليتحول الحديث على هامش الجلسة عن اسم البديل المقترح، وهو عماد كريدية، المرشح المحسوب على الرئيس سعد الحريري
عقد مجلس الوزراء جلسة استثنائية أمس كانت مخصصة لدرس ملف الاتصالات ومناقشة تقرير الوزير المعني بطرس حرب.
في بداية الجلسة اعتذر رئيس مجلس الوزراء تمام سلام عن ورود خطأ في عرض بنود جدول الأعمال، إذ تضمن مسألة عقدي الخلوي فيما كان الاتفاق في الجلسة السابقة على أن يعرض هذا البند بعد أسبوعين، ريثما يقدّم وزير الاتصالات دفتر شروط يتلاءم مع ملاحظات الوزراء، وبالتالي لم يُطرح موضوع عقدي الخلوي على النقاش، على الرغم من أن تقرير الوزير بطرس حرب تضمن طلباً بتكليفه صلاحية تمديد العقدين “تباعاً”، الى حين إنجاز مناقصة جديدة لتلزيم عقدي التشغيل والادارة ضمن سقف زمني يحدده مجلس الوزراء.
استبعاد هذا البند الخلافي لم يجعل الجلسة أكثر هدوءاً، فالنقاش تناول المسائل المتصلة بملف الاتصالات بطريقة “عشوائية” لا يجمعها عنوان محدد، بحسب ما أوضحت مصادر وزارية. “كلّ وزير غنّى مواله، وأدلى بدلوه وملاحظاته في المسألة التي يعتبرها الأهم”. تعددت المسائل المطروحة بلا تنظيم، من مسألة الانترنت غير الشرعي الى العقود مع أوجيرو، مروراً بالتخابر الدولي غير الشرعي، فضلاً عن ملف الألياف الضوئية… كل وزير يريد أن يركّز على مسألة بوصفها مصدر “الخراب”، إلا أن الوزير وائل أبو فاعور قرر التركيز على عبد المنعم يوسف، بوصفه مصدر كل الفوضى والفساد في قطاع الاتصالات، وطالب بعزله من مناصبه وتعيين بديل منه بسرعة.
هكذا، فرض أبو فاعور مسألة تغيير يوسف كعنوان عملي للنقاش في الجلسة. دخل عدد من الوزراء على الخط، وأثاروا مسألة تعيينه غير القانوني في 3 مناصب حكومية: المدير العام للاستثمار والصيانة في وزارة الاتصالات، ورئيس مجلس إدارة هيئة أوجيرو ومديرها العام. وزراء حزب الله والتيار الوطني الحرّ قالوا كلاماً منسجماً ومنسقاً عن تعيين يوسف المخالف للقانون في حكومة الرئيس فؤاد السنيورة في عام 2005، وشرحوا أن هذه المواقع الوظيفية يتبع أحدها لرقابة الثاني، وهذا أمر لا يجوز استمراره.
جرى التداول باسم عماد كريدية لتعيينه بديلا من يوسف
تقول المصادر الوزارية إن سجالاً اندلع بين وزيري التربية الياس بو صعب ووزير الاتصالات بطرس حرب، إلا أن مصادر أخرى أوضحت أن “السجال لم يتجاوز الحدود المعهودة، وقد قيل كل شيء من دون صخب وصراخ”، أي إن فتح الباب للبحث في تعيين بديل من يوسف لم يدفع الى التوتر، علماً بأن وزراء تيار المستقبل لم يدلوا بدلوهم في هذا المجال.
بحسب عدد من الوزراء، لم يبلغ النقاش في داخل الجلسة مسألة بتّ عزل يوسف، وبالتالي لم تتحول الى بند على جدول الاعمال، إلا أن النقاش “غير الرسمي” الذي دار بين الوزراء كان جديّاً، إذ اتفق على أن يُبتّ في الجلسة المقبلة بعد أن يقدم وزير الاتصالات اقتراحاته للأسماء البديلة. ليس واضحاً إذا كان هذا الاتفاق هو قرار تم اتخاذه في مجلس الوزراء أو مجرد مداولات، إلا أنه كان واضحاً أن هذا النقاش ترك وزير الاتصالات بطرس حرب مربكاً إزاء صمت وزراء المستقبل على كل الانتقادات التي وُجِّهت لعبد المنعم يوسف وعدم قانونية تعيينه في المنصبين المذكورين.
تكشف مصادر وزارية أن الاحاديث التي دارت على هامش الجلسة تدعو إلى التعامل جدّياً مع مسألة تعيين بديل من يوسف، إذ تداول الوزراء باسم عماد كريدية، المرشح المحسوب على الرئيس سعد الحريري. طرح الاسم جاء من الوزير وائل أبو فاعور، وقيل إن حزب الله رد بأنه لا يمانع.
سبقت هذه الجلسة تحضيرات واسعة قام بها الوزراء العونيون من أجل الردّ على كل نقطة وردت في تقرير حرب. تقول المصادر إنه جرى النقاش في كل المسائل التي طرحها التقرير، لكن النقطة التي أخذت حيّزاً واسعاً من هذا النقاش كانت متصلة بملف عدم قانونية تعيين عبد المنعم يوسف في مناصبه الثلاثة. “كان هناك شبه إجماع على عدم قانونية تعيينه”. بحسب المصادر، لم يُبدِ حرب أي اعتراض، مثله مثل وزراء تيار المستقبل، إذ “لم يسمع أي اعتراض منهم على الانتقادات التي كالها وزراء الاشتراكي وحزب الله والتيار الوطني الحر ليوسف”.
موقف حرب خارج الجلسة بدا أكثر صلابة. فبحسب تصريحاته التي تلت الجلسة، علّق حرب على حجم التقرير السابق الذي رفعه إلى مجلس الوزراء مقارنة مع حجم التقرير الذي نوقش أمس، وسط اعتراض من بعض الوزراء على عدد الصفحات الكبير الموزّع. وقال: “الجميع يذكر أنني رفعت تقريراً أولياً قبل حصول الإنترنت غير الشرعي والتخابر غير الشرعي إلى مجلس الوزراء، وطالب الوزير آنذاك بوضع تقرير جديد يتضمن ما استجد من أمور في الوزارة، وقد رفعت تقريراً جديداً في حزيران الماضي من 19 صفحة وليس 890 أو عشرة آلاف صفحة، والتقرير تضمن كل المعلومات المطلوبة. وإذا كان أحد يريد التأكد من المستندات يستطيع العودة اليها. وكل كلام على عدد الصفحات يحيرنا، وهنا ينطبق المثل: “احترنا يا قرعة من وين بدنا نبوسك”. فإذا قدمنا تقريراً موجزاً فهناك انتقاد، وإذا قدمنا تقريراً واضحاً ومفصلاً فهناك أيضاً انتقاد. نأمل أن تكون الأسباب للمصلحة الوطنية ولا تكون كيدية أو شخصية أو سياسية… رفضت أن يتم التباحث معنا كوزارة اتصالات على أساس أن هناك قفص اتهام أو لا سمح الله أي توجيه انتقاد مباشر للوزارة”.
قبل انعقاد الجلسة، علّق وزير الخارجية جبران باسيل على ملف الاتصالات الذي أحاله حرب إلى الوزراء قائلاً: “إذا لم تكن قادراً على إقناع أحدهم، فضيّعه. هذا ما يفعله الوزير حرب بملف من 700 صفحة وزّع علينا ولا يتضمن شيئاً مما طلبناه”. أما وزير التربية الياس بو صعب، فأوضح أن “هجوم حرب على استوديو فيجن هو للتغطية على مشكلة بحجم أكبر”.
50% فقط لإنقاذ حياة روزين
قرر مجلس الوزراء المساهمة بنسبة 50% فقط من كلفة عملية زرع كبد المواطنة روزين موغليان في فرنسا، البالغة 243 ألف يورو. يقول مصدر وزاري إن القرار يقضي بتسديد 120 ألف يورو، وقد جرى بحث مستفيض لحالة روزين الطارئة والخطر الذي يهدد حياتها في حال تأخر مجلس الوزراء في اتخاذ القرار. وأوضح المصدر أن تحديد مساهمة الدولة جرى بناءً على المعلومات التي تفيد بأن العائلة تمكنت من جمع تبرعات بقيمة 120 مليون ليرة، ما يعني أن المبلغ المتبقي، برأي الوزراء، البالغ نحو 43 ألف دولار، يمكن للعائلة تأمينه من المزيد من التبرعات!
تجدر الاشارة إلى أن روزين بدأت قبل شهرين تعاني من عوارض فشل حاد في الكبد، وهي تحتاج إلى عملية زرع كبد طارئة في غضون الأسبوعين المقبلين لإنقاذ حياتها، ولا توجد إمكانية لإجراء مثل هذه العملية في لبنان.