Site icon IMLebanon

هل ينضم المجلس الشرعي السبت إلى غضب الشارع السنّي؟

 

 

رغم اشاعة انطباعات ايجابية عن تأليف وشيك لحكومة الرئيس حسان دياب، ربما في الاسبوع الاول من السنة الجديدة، لم يتمكن الرجل بعد من تذليل عقدتين، احداهما دون الاخرى كافية لأن لا تبصر حكومته النور

 

عندما ارجأ رئيس الجمهورية ميشال عون الدعوة الى استشارات نيابية ملزمة طوال 50 يوماً، ولم تُجرَ الا في الموعد الثالث في 19 كانون الاول، كان الغرض المعلن التفاهم على التأليف قبل التكليف بغية تفادي مزالق اهدار الوقت الطويل بين التكليف وصدور مراسيم الحكومة الجديدة، على جاري ما تكرر منذ اتفاق الدوحة عام 2008. الموعد الاول في 9 كانون الاول ارجأه الرئيس الى 16 كانون الاول، ثم ارجأه ثانية بناء على طلب الرئيس سعد الحريري الى ان استقر في 19 كانون الاول وافضى الى تكليف الوزير السابق حسان دياب. في الموعدين الاولين رمى تأخير الاستشارات، مذ طلب عون من الحريري تصريف اعمال حكومته المستقيلة، الى تسهيل الاتفاق معه على ترؤسه هو الحكومة، ومن ثم الخوض سلفاً في معايير التأليف وصولاً الى مسودة التأليف. تعذّر الامران معاً قبل الوصول الى الموعد الثالث 19 كانون الاول: يريد الحريري العودة الى السرايا بشروطه، وهو ما رفضه رئيس الجمهورية والثنائي الشيعي، قبل ان يفيق الحريري في 16 كانون الاول على صدمة غير متوقعة هي فقدان حظوظ تسميته رئيساً مكلفاً بعدما تخلى عنه حليفه حزب القوات اللبنانية. في الايام الثلاثة التي مُنحت له لتعويم حظوظ العودة، ظل الرجل فاقداً اياها ممن كان يُعوّل عليهم وتسبّبوا في حرمانه من السرايا. اذذاك آلت التسمية الى دياب.

 

اهمية ما رافق هذا المسار ثلاثة تطورات غير مسبوقة:

اولها، ان الثنائي الشيعي اكد تمسكاً غير عادي بالحريري، وهو يختلف معه سلفاً على كل ما يمت بصلة الى التأليف. بيد ان اصراره على ترشيحه ارتبط بما يمكن ان يمثله في طائفته، لا لما يريد ان يكون عليه على رأس حكومته الرابعة.

ثانيها، استعداد الثنائي الشيعي وحلفائه، ناهيك عن رئيس الجمهورية وحزبه، للقبول بحكومة غالبية وزرائها من التكنوقراط مطعّمة ببعض الحزبيين. وهو ما كان مستحيلاً توقّعه لأكثر من عشر سنوات خلت. اضف جهوز هذا الفريق لإخراج وزرائه النافرين منها، لكن دونما تخليه عن تعويضهم بحزبيين.

ثالثها، قلب المعادلة السائدة منذ عام 2008، وهي الحؤول دون استغراق التأليف اشهراً بين ايدي الرئيس المكلف اذ جعل التكليف سلاحاً فتاكاً ليس في وسع احد، بل لا احد يجرؤ على التلويح له بانتزاعه منه ما لم يعتذر هو، بما في ذلك المرجعية الدستورية صاحبة الاختصاص في منح هذا التكليف، وهي مجلس النواب. هذا السلاح وصل الى دياب، فأعلن منذ اليوم الاول انه لن يعتذر اياً تكن الضغوط التي يجبهها. بذلك كرّس الاعتبار للتقليد الذي ارساه اسلافه اذ عدّوا التكليف حقاً مكرساً للطائفة السنّية ليس للرئيس المكلف – اي رئيس مكلف – التنازل عنه وإن اخفق. الا ان دياب حمّل عناده هدفاً آخر توخى التأكيد انه لن يستسلم لشارع الحريري.

بيد ان ما حصل منذ تكليف دياب اهدر كل ما كان يُعدّ له، فإذا واقع تأليف الحكومة على ابواب انقضاء اسبوعين كأنه لما يزل في النقطة الصفر:

1 – اعيد مجدداً الفصل بين التكليف والتأليف خلافاً لما توخاه رئيس الجمهورية عندما قلب الاولويات. وجود رئيس مكلف ليس كافياً لتأليف الحكومة في ظل اصرار الافرقاء – الشركاء الفعليين في التأليف – على إلزامه المقتضيات السائدة منذ اتفاق الدوحة. التأليف عمل جماعي ينخرط فيه الجميع، ويتساوون في مناقشة مراحله والتفاوض عليه، بدءاً من حجم الحكومة مروراً بتوزيع الحقائب وانتهاء بالاسماء التي يختارها كل من هؤلاء لحقائب حصته.

2 – يتجاذب التأليف صراع على الحصص والحقائب كما لو ان الحكومة الجديدة نسخة منقحة عن حكومة تصريف الاعمال. الحقائب السيادية تبقى ليس في الطوائف الاربع فحسب، بل لدى الكتل السياسية التي تمثل الطوائف تلك كما لو انها اضحت حقاً مكتسباً للطائفة وللكتلة بالذات. حقائب الخدمات الرئيسية المدرارة – وإن في بلد على شفا الانهيار – يتمسك الافرقاء انفسهم ليس بالاحتفاظ بها فحسب، بل بعودة عدد من وزراء حكومة تصريف الاعمال اليها مجدداً تحت غطاء ان ليس بين هؤلاء حزبيون من اجل ان يُعدّوا اختصاصيين. على نحو كهذا يواجه الرئيس المكلف ما سبقه اليه الحريري في الاسابيع المنصرمة ابان التفاوض معه: تمسك الحريري – كما يفعل دياب اليوم – بحكومة اختصاصيين ليس الا. بيد ان الثنائي الشيعي وحلفاءه ليس في وارد التخلي للخلف عما امتنعوا عن تقديمه الى السلف. وهو مؤشر اضافي الى تمييز هذا الفريق بين التكليف والتأليف من جهة، وتشبثه بعدم الاخلال بموازين قوى السلطة الاجرائية النافذة منذ عام 2008 من جهة اخرى.

 

اعلان دياب انه لن يعتذر تأكيد على عدم استعداده للاستسلام الى شارع الحريري

 

 

3 – مقدار ما يواجه الرئيس المكلف عقدة شيعية في التأليف، تنتظره عقدة اخرى كأداء ما ان تبصر حكومته النور، هي استمرار افتقاره الى الغطاء السنّي الذي تتضاعف حاجته اليه. خلافاً للرئيس نجيب ميقاتي عام 2011 عندما فجّر الحريري في وجهه شغباً سنّياً في طرابلس، تراجع في الايام التالية قبل الاحتكام الى دار الفتوى التي ترأست اجتماعاً حضره ميقاتي والحريري وافضى الى الاتفاق على بضعة تعهدات، لا تزال الابواب موصدة في وجه دياب في وقت يحتاج الى وقوف طائفته الى جانبه، كي يوازن الضغوط الشيعية عليه. الا ان الثنائي الشيعي يتطلب ما لا يسع الرئيس المكلف تأمينه له، هو الحؤول دون فتنة سنّية – شيعية يتسبب فيها الخلاف على رئاسة الحكومة والدور الشيعي المؤثر لكن المتفاقم ايضاً في توجيه خيارات هذا المنصب، تعتقد الطائفة السنّية وسياسيوها انهم المعنيون بتحديدها. ما حدث، ليلة التكليف وفي الايام القليلة التالية في كورنيش المزرعة وصولاً الى قصقص، كما الى الاحياء السنّية المجاورة وفي مناطق الاطراف، واعمال شغب خطيرة، وجهت اكثر من رسالة مقلقة الى الثنائي. بفضل استيعابه ما جرى وزنار امني فرضه الجيش امكن تفادي الاسوأ والاخطر. لم يكن الحريري بعيداً منها، وعُدّ المحرّض الرئيسي عليها من اجل تأكيد رهان لم يفارقه: العودة الى السرايا متاحة بجرعة اضافية.

لا يقتصر الامر على ما حدث حينذاك، ثم انكفأ من غير تراجع نواب تيار المستقبل وقيادييه والدائرين في فلكه في تسعير الحملة على دياب وداعميه. في غياب الحريري في باريس لتمضية الاعياد، ثمة ترقّب لحدثين من شأنهما تعزيز الغضب السنّي: الاجتماع الدوري للمجلس الاسلامي الشرعي الاعلى السبت في دار الفتوى، وهو الاول منذ 26 تشرين الثاني قبل تعاقب التطورات المتلاحقة الاخيرة واحتمال ان يعزز رفع الغطاء السنّي عن دياب، ونبرة الخطب المتوقع اطلاقها في اليوم السابق من المساجد، الجمعة، في ظل ممارسة الضغوط على الرئيس المكلف، يومياً تقريباً امام منزله.