Site icon IMLebanon

الثورة المضادة  وتسوية الضرورة

ليس جليد الطبيعة الذي غزا المناطق اللبنانية هو من أبطأ حركة التسوية الرئاسية المعقودة اللواء لزعيم المردة، بل الرياح المعاكسة المنطلقة من فضاءات الثلاثي الماروني المتحفظ على رابعه، الى حد التهديد بالثورة المضادة التي انطلقت بعد أحداث ١٩٥٨، والتي استذكرها التيار الوطني الحر أمس، كأحد الخيارات التي بوسعه اللجوء اليها اذا ما أصرّت القوى الداعمة لترشيح سليمان فرنجيه على ايصاله الى بعبدا، متسلحة باكثريتها النيابية.

ورهان أصحاب المبادرة المدعومة من بكركي، قياساً على مضمون عظة غبطة البطريرك بشارة الراعي أمس، على اتصالات الأسبوع الطالع، وبالذات اقتناع حزب الكتائب مع المرشح الرئاسي سليمان فرنجيه، بأن حكي السرايا لن يكون كحكي القرايا، أي انه في قصر بعبدا سيكون غير ما كان في بنشعي، على مستوى العلاقة برئاسة النظام السوري، مع التأكيد على ايمانه المطلق بالسيادة وباستقلال الموقف عن الغير، واقتناع القوات اللبنانية بأن الرئيس العتيد ليس وديعة أحد، بدليل ان الروس والايرانيين لم يوافقوا على ترشيحه، بحسب الوزير سجعان القزي، وبالتالي فهو يبقى أقل مناكفة سياسية للقوات من العماد عون، الذي أعلن النائب انطوان زهرة انه سيكون أولويته في حال المفاضلة مع الغير. وبالنسبة الى التيار الوطني الحر، فما يأخذه على فرنجيه بالسياسة هو فيه، وربما أكثر، إذ ليس بين فرنجيه وأي طرف داخلي أو خارجي أوراق تفاهم مكتوبة، ولا تعهدات ملزمة للبلد أو مكلفة لأهله، أما مسألة قمّ لأقعد مطرحك فقد تجاوزها لقاء الأربعة الموارنة الأقوياء في بكركي، عندما تعاهدوا على أن يكون الرئيس واحداً منهم، لا من المحايدين أو المستقلين، وان يكون للأوفر حظاً، حق على الثلاثة الآخرين بدعمه وتقويته، لا إضعافه ووضع العصي في دواليب عربته الرئاسية…

وبالتأكيد ان مثل هذه الآمال والتوقعات انتظارها يطول، في ظلّ اعتقاد البعض ان الضمانات الدولية الظاهرة في خلفية التسوية الرئاسية المطروحة عبر زعيم تيار المستقبل، لن تكون أفضل من تلك التي أعطيت للمعارضة السورية، المستمرة في التخبط والتشرذم منذ أربع سنوات ونيّف تحت ضغط النظام وحلفاء النظام الاقليميين والدوليين فضلاً عن الداعشيين المتسترين بجلباب الثورة، الذين يقدمون أفضل المساعدات السياسية للنظام، من خلال عملياتهم الانتحارية في عواصم الغرب، بحيث تحولت الدول الداعمة للمعارضة بالشكل الى داعمة للنظام بالجوهر، بالقصف الجوي المصحوب بالتراجع عن اصراراتها السابقة على خروج الاسد من المشهد السوري، قبل المرحلة الانتقالية لا بعدها…

هذا البعض من قوى ١٤ آذار يعيش مثل تلك الهواجس للمعارضة السورية، ولذلك تفضل ان لا تنام بين القبور حتى لا ترى أحلاماً موحشة…

لكن وضع البلد الاقتصادي والاجتماعي، فضلاً عن السياسي لم يعد يحتمل، كما تؤكد قيادة تيار المستقبل والقيادات الدينية، الاسلامية والمسيحية التي تحولت خطبها وعظاتها عن المسار الديني التقليدي، الى المحاور السياسية، وسط اجماع ملحوظ على استعجال سد الثغرة الدستورية المفتوحة، في هيكل السلطة اللبنانية، المتمثلة بغياب رئيس الجمهورية، ويذكر بعض هؤلاء، الممانعين للتسوية المطروحة، عن مبدأ أو لمجرد رفع السقف بأن لبنان مر بتجارب كثيرة خلال العقود الاربعة الماضية، وعايش عهوداً وحروباً وأزمات، وبقيت الدولة صامدة، رغم تحولات النظام، واستنزاف السيادة ومصادرة القرار، بقيت الدولة وبقي لبنان، وبالتالي ان المبالغة في الشروط والضمانات، توحي وكأن ثمة ما هو ابعد من الشروط والضمانات، التي يمكن توفرها من خلال توحيد الناس لا تفريقهم، فالمنافسة السياسية مشروعة، لكن عند حدود استقرار البلد والوحدة الوطنية، اما ان نقود البلد الى حافة الهاوية مجدداً، فان تسوية الضرورة الرئاسية، تبقى الأقل ضرراً، إن لم تكن السلامة بعينها.