في انتظار حدث ما يملأ الزمن اللبناني الضائع والمقتطع من وقت المنطقة، بل في انتظار معركة الجرود تكاد حرارة شهر آب تشوي اللبنانيين، كلّ عام تخبرنا الأرصاد أن صيف ذاك العام هو الأكثر حرارة منذ سنين، هذا ما قيل لنا قبل أيام عن حرارة الشهر الفائت، جمرة القيظ هذه يفترض أن تنتهي في الخامس عشر من آب المقبل «طبّاخ التمر» طبخنا هذا العام «استوينا»، وغلب على مزاج اللبنانيين حال من الضجر والسأم العام من المشهد اليومي المملّ في البلد، من النفايات إلى الكهرباء إلى موجات الحر الرهيب التي تضربنا متلاحقة منذ حزيران، إلى عجز الحكومة، إلى كلّ ما يقف مترنّحاً في لبنان في انتظار المجهول من انهيار اقتصادي إلى حصار وعقوبات إقتصاديّة تتهدّدنا وفي وقت يفترض أن تدقّ المؤسسات الإعلاميّة جرس الإنذار شارحة للبنانيين ما ينتظرهم نراها تضرب الطبول في خدمة حزب الله!!
وسط هذا المظهر العام المثير للإحباط قد يُخطىء كثيرون في قراءة الحال اللبنانية، لا يبدو أنّ المعنيّين بفرض هذا الواقع قد تعلّموا شيئاً يسيراً عن اللبنانيين، وهذا اليسير ببساطة يؤكّد أننا «شعب لا يغسل دماغه ولا يُدجّن»، بصرف النظر عن «الطبل والزّمر» الإعلامي، ربما هذا جزء من خصوصية طبيعية في شخصيّة الشعب اللبناني، عمليّاً، لقد تمرّس اللبنانيون منذ أربعة عقود في حالات الهرب من الواقع السياسي وتجاهله وإدارة الظهر له، وحال القرف هذه ـ وإن كنا من الذين سئموا وضجروا وقرفوا ـ لا تعني أبداً أنّ اللبنانيين مستسلمين لهذا الواقع الذي يُراد لهم أن يستسلموا له، ولا يعني هذا أبداً أنهم «شالوا» من رؤوسهم قناعتهم النهائية بلبنان وطناً سيداً حراً مستقلاً.
ثمّة محاولات لتصوير الشعب اللبناني بأنه صار «عآخر روح»، وليس دقيقاً جداً هذا التصوير، جزء من طبيعة اللبناني «التذمر» و»التأفف»، شعب «مَزَجَتْلي» سيظل يجد شيئاً «ينقّ عليه»، إلا أنه ليس شعباً هيناً أبداً، وميزته أنه لا ييأس مهما اسودّت في عينيه الألوان، يقع ويقوم ويظل كذلك إلى ما لا نهاية، فإنْ وقع فهذا ليس عيْباً، وهو بالتالي ليس نعجة، وإذا قام فهو قادر على مفاجأة العالم!! قد يكون عيب الشعب اللبناني «قصَرُ النّفس»، وربما السبب في ذلك تغاضيه عن الذين يواجههم لهم سياستان ثابتتان، سياسة المماطلة والمناورة والتذاكي إلى حد الغباء لتضييع الوقت، وسياسة النفس الطويل.. وما نعيشه اليوم ليس بسيناريو جديد على لبنان!
بعد غزوة 7 أيار العام 2008 دُقّت الطبول معلنة انتصار إيران في لبنان، ما الذي اختلف في أواخر تموز العام 2017 الطبول نفسها تقرع لتعلن انتصاراً مزيفاً جديداً لإيران، «اللي بيقهر» أن الأقلام المحسوبة على خط الدفاع عن لبنان هي التي تتولّى التهويل والتخويف من هذا الأمر، مع أنّ سياسة الصمت تقنية دأب عليها اللبنانيون، هم غالباً ليسوا غوغاء يهرجون ويمرجون، الصمت أحياناً وسيلة اعتراض مُثلى على كلّ ما يحدث، لأنّنا لسنا وقوداً، ولسنا أيضاً ثيراناً هائجة، ولا كلاباً تنبح طوال الوقت، يمتلك اللبناني تقنية الصمت عند الرفض، فلا يظنّ الراغبين في تيئيسنا أننا حققنا لهم ما يريدون! للمناسبة «طويلة عرقبة» إيران هذا الانتصار الموهوم والمزعوم!