على وقع تصاعد المواجهات الميدانية في جرود عرسال، ومع إعلان الأمين العام لحزب الله بدء المعركة مع داعش، تمّ تأجيل جلسة مجلس الوزراء حتى تُستكمل الاتصالات ويتم إيجاد مخرج مقبول لأزمة التعيينات الأمنية منعاً لإلحاق الشلل الكامل بآخر مؤسسة رسمية تمثل الدولة اللبنانية محلياً ودولياً.
فإذا تشبث الفريق العوني وحليفه «حزب الله» بإتمام صفقة التعيينات على أنها صفقة واحدة، أو يكون التعطيل الثمن المفروض على البلاد والعباد في حال لم تجد سبيلها إلى التنفيذ، تعلق جلسات مجلس الوزراء كما علقت جلسات مجلس النواب من قبل، ولا يزال الكرسي الرئاسي متروكاً للفراغ إلى أجل غير مسمى.
وإذا كانت مصالح الأفرقاء ومحسوبيهم غير معرضة لأية اهتزازات أو غير معنية بالأزمات المعيشية والاقتصادية الخانقة التي تطبق على لبنان منذ فترة، إلا أن المواطن بات منهكاً من تحمّل الأعباء المتزايدة يوماً بعد يوم، من دون أن تحرّك الدولة أي ساكن حيالها، فأين خدمة الدين العام في دولة عجزت حكوماتها عن إقرار موازنة على مدى عشر سنوات؟ وبالتالي تراكمت الفجوات الاقتصادية حتى بات النظام بأكمله عُرضة للانهيار عند أول اهتزاز.. وبالتالي أين رواتب الموظفين التي يأكلها التضخم من دون رحمة، في غياب الخطط الاقتصادية الجدّية لإخراج الدولة ومواطنيها على حد سواء من دوّامة الإنفاق من دون تأمين المصادر المغذية له؟
أما النيران المحيطة بلبنان من كل حدب وصوب فلم تتوقف يوماً عن إرسال شراراتها إلى الداخل، تارة عبر شرارات الفتن، وطوراً عبر أزمات الحدود والتصدير، والتي قضت على آخر أمل للبنانيين في حلحلة اقتصادية وشيكة، فأزمة التصدير تضرب القطاع الزراعي الذي يعتبر صموده حتى اليوم، مع غياب الرعاية الرسمية الضرورية له، يعتبر إنجازاً إن لم يكن معجزة، كما فقد القطاع السياحي آخر فرصة في موسم صيفي واعد نظراً لعدم الاستقرار الأمني على الحدود اللبنانية والذي يهدد بالانتشار في أية لحظة، كما غابت رؤوس الأموال والاستثمارات عن ساحة متخبطة وغير مضمونة…
وأخيراً، ما قيمة حوار «المستقبل» و«حزب الله»، وتقارب عون وجعجع من جهة، وفتح قنوات التواصل بين التيارين الأزرق والبرتقالي من جهة أخرى، إذا لم يُترْجِم هذه الخطوات الفولكلورية إلى خطوات جدّية تحقق الحد الأدنى من التوافق لمنع انزلاق الوطن إلى الفراغ الكامل والشامل في مختلف مؤسساته، فلا يبقى من الدولة سوى علم ونشيد وطني وشعب في مهبّ الفتن العاتية من كل حدب وصوب.
إن وقت الخطابات والمواقف الرنانة واللقطات المشوقة ولّى، وحان وقت العمل الفعلي لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، فهل سيكون الشركاء في الوطن على قدر المسؤولية أم أنه لم يُسمح لهم بالنجاح بعد؟