لم تتسلم ما سمي حكومة الوحدة الوطنية مهامها بصورة رسمية بعد، حتى بدأت تظهر التناقضات بين مكوناتها بحيث لا يترك أي مجال للشك بأنها لن تكون حكومة واحدة، بقدر ما هي حكومة متاريس تتحكم بأعمال مجلس الوزراء التي ستعقدها وتؤول بالتالي إلى الفشل كسابقاتها من الحكومات التي توالت على السلطة منذ ما بعد حرب السادس من تموز عام 2006.
وكان رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط المشهود له بأنه كان أوّل من قدم التنازلات لتسهيل عملية التأليف، أوّل المبادرين إلى نعي هذه الحكومة ليس من باب النكاية ولا من باب نكء الجراح، بل من منطلق حرصه على الانتظام العام، وعلى نجاح الحكومة في التصدّي للمهمات والتحديات الصعبة والمتعددة الأوجه التي تواجهها من باب الخلل الذي حصل في طريقة تأليفها والذي تجاوز كل المواقف الوطنية، وانتهك وثيقة الوفاق الوطني بشكل فاضح لا سيما لجهة تجاوز صلاحيات رئيس الحكومة في التأليف، والذهاب بعيداً عمّا نصت عليه هذه الوثيقة، وكان من الطبيعي لا بل من واجب رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي من باب حرصه على تطبيق الطائف بحرفيته أن يطرح هذه المسألة الخطيرة على الانتظام العام بكل ما يعني ذلك من مخاطر على النظام القائم برمته.. وكان الزعيم الاشتراكي يؤشر بذلك إلى الدور الذي لعبه وزير الخارجية بتغطية من رئيس الجمهورية في عملية التأليف بحيث تجاوز بذلك صلاحيات الرئيس المكلف الذي أناط به وحده اتفاق الطائف والوثيقة التي انبثقت عنه وأصبحت في ما بعد الدستور المعتمد عند جميع اللبنانيين، وتصرف في تشكيل الحكومة على قواعد واعراف وتقاليد تعود إلى ما كان عليه الحال قبل الحرب الأهلية ومؤتمر الطائف.
وفي اعتقادنا واعتقاد الكثيرين ان رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي لم يقصد من الصرخة التي أطلقها سوى التنبيه إلى أن ما حصل في عملية تأليف الحكومة يجب أن لا يتكرر مع وجوب العودة إلى الالتزام بوثيقة الوفاق الوطني التي قسمت الصلاحيات بين الرؤساء الثلاثة وفق ما تمّ الاتفاق عليه في مؤتمر الطائف وحتى لا تتكرر مأساة 1975، ولا نعتقد بأن رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي رغب من وراء ذلك التحريض على رئيس الحكومة بقدر ما أراد لفت النظر لتجنب الوقوع مرّة أخرى في هذا المطب لكي نحافظ على ما نصت عليه وثيقة الوفاق الوطني وتجنب البلاد الوقوع مرة أخرى في المحذور.
وفي مطلق الأحوال فإن القلق الذي عبّر عنه الزعيم الاشتراكي بطريقته الخاصة يعكس هواجس معظم الذين عاشوا عن قرب المراحل التي قطعتها عملية تأليف ما يسمى اليوم بحكومة الوحدة الوطنية، والتي تؤكد انها لم تتقيد بوثيقة الوفاق الوطني التي حددت الصلاحيات ووضعت حدوداً لكل منها، بما يمنع العودة إلى الماضي الذي كان رئيس الحكومة آنذاك مجرّد باش كاتب على حدّ تعبير المرحوم الرئيس صائب سلام.