هل ان ما يجري من صراعات سياسية حادّة هو أمر طبيعي؟ وهل صحيح أن هذه الحماوة غير معهودة في مطلع العهود إنما في المرحلة الأخيرة من سنواتها؟ وما هي الأسباب التي تجعل العهد «القوي» يبدو غير مسيطر على الوضع؟ واصلاً، هل هذا الإعتقاد في محلّه؟ ثم، أليس أن هناك تحاملاً على سيّد العهد وعلى الحكومة وبالذات على رئيسها؟ علماً أن العهد حقق من القضايا والمشاريع والقوانين ما كان يبدو مستحيلاً (تحرير الجرود، السلسلة، قانون الإنتخاب، استعادة الجنسية للمغتربين…).
لا شك في أن المرحلة دقيقة، وما يدور على ساحات المنطقة من حروب مروّعة ينعكس حكماً على لبنان، وبالتالي ليس المستغرب أن يُسجل هذا الحراك على الساحة اللبنانية الداخلية، إنما الغريب هو ألاّ يحصل.
وثمة ظاهرة يمكن التوقف عندها والتمعن فيها وهي شريط العلاقات بين أضلاع مثلث سيبة الحكم. فالضلع الأولى وصلت بالتوافق مع الضلع الثالثة وبخلاف مع الضلع الثانية. فالرئيس الجنرال ميشال عون حظي بتأييد ودعم الرئيس الشيخ سعد الحريري، وخلافاً لإرادة الرئيس الأستاذ نبيه بري، هنا لا نورد هذه المعادلة لنقول جديداً إنما للتذكير بمواقف من الطبيعي ان تطبع العهد بتأثيراتها. ولقد أدّت هذه المعادلة الى حال مأزومة:
أولاً – سيد العهد واقع بين رئيسي السلطتين التشريعية والتنفيذية اللذين لكل منهما موقف من وصوله الى سدة الرئاسة مغاير لموقف الآخر.
ثانياً – من زمان لم يُسجل وجود رئيس جمهورية قوي شعبياً ورئيس حكومة قوي شعبياً… والرئيسان على علاقة طيّبة. أما رئيس المجلس القوي شعبياً فبات تقليداً عندنا.
ثالثاً – القاعدة (السلبية طبعاً) كانت تفترض قيام عراك دائم بين القصر والسراي. وهذه من المرات النادرة يكون قاطنا الموقعين المهمين على توافق تام في ما بينهما.
رابعاً – هذا التوافق بين الثنائي عون – الحريري ليس مستساغاً من كثيرين بقدر ما هو غير مألوف. وبالتالي فهو يثير حساسية في مكان، وتخوّفاً في مكان آخر، وحذراً في كلّ مكان. وليس من باب المصادفة أنّ بعض القرارات الحساسة في مجلس الوزراء يشهد توافقاً بين وزراء التيار الوطني الحر ووزراء تيار المستقبل، بينما نرى في الجانب الآخر من الصورة توافقاً بين وزراء حركة أمل والقوات اللبنانية والتقدمي الإشتراكي والمردة. طبعاً هذا الإنقسام ليس دائماً ومئة في المئة، إلاّ أنه يتمظهر أمام القضايا الأساسية. والأدلة غير قليلة.
خامساً – لا شك في أنّ الإنتخابات النيابية العامة الآتية في الربيع المقبل تثير قلقاً لدى معظم الأطراف التي لم تهضم بعد قانون النسبية وتعقيداته الكثيرة، الأمر الذي يدفع بغير فريق وطرف الى التريّث في إعلان التحالفات من جهة والى محاولة إثبات الوجود من جهة ثانية وإلى تسلّق سلّم المعارضة من جهة ثالثة، لأن المعارضة ربّيحة، وطريق «البروباغاندا» أسهل المسالك…
سادساً – يجب عدم إغفال رغبة بعض أركان العهد في الإستئثار… الإستئثار في المطلق… ما يترتب عليه حرد البعض وزعل سواه وخروج آخرين من ثيابهم!.
باختصار يخطىء من يتوقع تهدئة قبل إجراء الإنتخابات النيابية، وما سيعقبها من تشكيل الحكومة الجديدة… وعندئذ، فقط، يمكن التمييز بين الخيط الأبيض والخيط الأسود، لأن أبواب معركة رئاسة الجمهورية تكون قد فُتحت على مصاريعها.