تضع التحديات المتنوّعة التي تواجهها السلطة بمجمل أطيافها التماسك الحكومي على المحكّ، وتطرح العديد من علامات الإستفهام حول قدرة الفريق الوزاري على الوقوف جبهة واحدة في وجه حركة الإعتراض التي بدأت تكبر مثل كرة الثلج المتدحرجة، والتي لن تشمل فقط المتقاعدين في الأسلاك العسكرية، بل غالبية القطاعات الرسمية، كما المؤسّسات، وفي مقدمها الضمان الإجتماعي الذي يلوّح بالإضراب المفتوح.
وقد استوقف عنوان بارز وجديد تكرّر في العديد من صرخات الإحتجاج التي ارتفعت أمام مرفأ بيروت ومصرف لبنان، والمتعلّق باستعادة المال المنهوب، أوساطاً نيابية مواكبة، إذ قرأت فيه مؤشّراً على تحوّل في طبيعة المواجهة، ينذر بوضع التحالفات والتسويات السياسية الراهنة في نطاق بالغ الدقة والخطورة، خصوصاً وأن العنوان المستجدّ في مكافحة الفساد يأخذ طابعاً رجعياً، أي أنه لا يعترف بمقولة «عفا الله عما مضى» التي ساهمت طيلة السنوات الماضية بغياب كل أنواع الرقابة والمحاسبة على الهدر للأموال العامة.
وفي هذا المجال، فإن الأوساط النيابية نفسها، تحدّثت عن ظروف سياسية بدأت تنضج على نار الأزمة المالية ستؤدي عاجلاً أم آجلاً إلى عمليات تموضع مختلفة عن المرحلة السابقة، وقد ظهرت معالمها في العمليات الهجومية الإستباقية التي يشنّها بعض القوى السياسية وغير السياسية، من أجل تحويل الإنظار عن «المال المنهوب» إلى جملة عناوين سياسية مرتبطة بأجندات إقليمية ولا انعكاسات لها على الساحة الداخلية سوى إثارة السجالات القديمة ـ الجديدة، ومن دون أي أفق واضح لجهة الأهداف الفعلية باستثناء تمرير المرحلة بأقل قدر ممكن من المحاسبة، إن لم يكن إلغاؤها بالكامل، من خلال فتح الدفاتر القديمة.
وفي هذا الصدد، فإن معركة مكافحة الفساد التي انطلقت في الكواليس السياسية، لاقت أصداء قوية في الشارع بالأمس، وذلك انطلاقاً من ربطها بالإصلاح من حيث المبدأ، ولكن استثمارها في مواجهات سياسية من الناحية العملية قد بدأ، وهو ما حذّر منه وزير المال علي حسن خليل، الذي لفت إلى الجبهات والمحاور داخل مجلس الوزراء، الأمر الذي ينبئ بتصعيد وسخونة مقبلين في الأسابيع القليلة المقبلة.
لذلك، تابعت الأوساط النيابية نفسها، فإن النقاش السياسي حول مشروع قانون الموازنة، يفتح الباب واسعاً أمام نقاش في العمق يركّز على سبل إطلاق سياسة مالية جديدة من خلال إقفال كل الثغرات المتمثّلة بالهدر للمال العام، ومباشرة العمل على تحقيق إصلاحات بنيوية، ولكن بعيداً عن أية مواجهات تتخطى الملف الإقتصادي، إلى ملفات سياسية تأخذ من حراك الشارع منصة لتنفيذ أجندة سياسية تأخذ في الإعتبار المناخات الإقليمية والتحولات في العلاقات ما بين عواصم المنطقة، في ضوء غياب الإنسجام الضروري من أجل الوصول إلى مقاربة سياسية لبنانية واحدة لملفين أساسيين هما ملف النزوح السوري، وملف «صفقة القرن» التي ستترك تداعيات خطيرة على مجمل ساحات المنطقة، وليس فقط على الساحة الفلسطينية.
وخلصت الأوساط النيابية عينها، إلى أن التوافق السياسي لا يبدو متاحاً اليوم فيما لو استمر الخلاف بين المكوّنات الحكومية، معتبرة أن الوصول إلى الحدّ الأدنى من التوافق ضروري من أجل عدم الوصول إلى النتائج السلبية التي قد تترتّب على استمرار الخلاف الحالي، والذي قد يدفع نحو تأخير إقرار الموازنة في الحكومة، ولاحقاً في المجلس النيابي.