IMLebanon

لهذا يعود القاتل دائماً إلى مسرح الجريمة

 

سِمات المجرم: أذنان طويلتان وفكّ عريض وجبين واسع

 

هو جنون. هو الجنون. هو الفلتان الكبير. هو غابة لكن بلا طيور. هو القتل بفأس، بمطرقة، بطلقة نار، بتفجير. هو القتل قهراَ وتسميماً وذبحاً. هو زمن تبرير الخطف وبيع الأطفال والإتجار بالأعضاء والإتجار بالمخدرات وسرقة الناس بعينين فاجرتين. هو الزمن الذي تُقتل فيه، بدمٍ بارد، تالا وريما وباسمة ومنال وريتا حرديني وجو حتي ولقمان سليم وسحر فارس ورالف ملاحي وجو بو صعب وجو نون وشربل حتي وألكسندرا نجار والياس خوري… هو زمن لا طبابة فيه ولا دواء ولا كهرباء ولا مياه ولا إنترنت ولا خبز ولا طاقة. هو زمن الإجرام في لبنان وانحلال الدولة. وها هم المجرمون يبتسمون.

 

الموت الفجائي بالقلب يزيد. شابات وشبان يلفظون العمر الذي ما زال يليق بهم كثيراً. كثيرون يطبّقون مقولة «طقوا وماتوا» ولا أحد يبالي بأسباب موتهم. وتكرج الأحداث النافرة التي نتناقلها عبر صفحات «السوشيل ميديا» 24 ساعة او 48 ساعة في أفضل حال، لنعود ونتناقل خبراً جديداً آخر نافراً. وهكذا، من خبر الى خبر، نعاني نحن وينجو السيئون.

 

قدرنا؟ كثيرون سلموا بذلك بعدما تعبوا…لكن، ألا يحق لهؤلاء المستسلمين، أقله السؤال عن الإشارات التي قد تُنذر مسبقاً بطبيعة «مشروع المجرم»؟ هل يمكنهم أن يتوقعوا وهم يصغون الى «فلسفات» البعض أن هذا أو ذاك يكذب ويضمر شرّاً؟ وهل كان بإمكان من يعرفون باسمة وتالا ومنال وريما والمجرم حسين فياض أن يتوقعوا حدوث جريمة؟ وهل هناك ما يوحي في شكل وأسلوب القاتل السوري حسن الغناش أنه سفاك دم؟

 

مثلما لم يبال من يُمسكون بالعدل والعدالة والقضاء باختفاء الأخوات الثلاث وأمهن طوال 23 يوماً، الى أن وجدنَ ميتات، هكذا، لا أحد انتبه الى إعدام علي الجفال، على طريق المطار، خلف مطعم الساحة، وهكذا لم ينتبه أحد الى محاولة خطف مغترب أمام منزله في النبي شيت في البقاع من قبل شابين يحملان سلاحاً حربياً، وهكذا أيضاً وأيضاً يخبرون يومياً عن سرقات بالجملة ويتجاهلون إخبارنا عن مصير المقترفين… فالى مَن نلجأ؟

 

هناك، في علم الجريمة، أصول. المجرمون يتّبعون «تكتيكات» مسبقة ويتمتعون بسماتٍ محددة، في المقابل هدف علم الجريمة الدراسة العلمية لمنع السلوك الإجرامي ومعرفة طبيعته وأسبابه وكيفية السيطرة عليه. باميلا حنينه بو غصن، إختصاصية في علم الجريمة، وعينها دائما على مسرح أي جريمة تقترف، فماذا عن مراقبتها مشهدية الجريمة المتمددة في لبنان؟ تجيب «قبل نحو عام قلت إن معدلات الجريمة سترتفع، واليوم أكرر ذلك، معدلات الجريمة سترتفع أكثر بعد. لكن، لا تسأليني عن نسبة هذا الإرتفاع لأن لا دراسات لدينا والأرقام الصادرة عن قوى الأمن الداخلي لا تعكس كل الحقيقة، فثمة جرائم كثيرة لا يتم التبليغ عنها».

 

فلنأخذ جريمة أنصار. هل تابعت تفاصيلها باميلا حنينه بو غصن؟ هل يحضر إختصاص أو إختصاصية في علم الجريمة عادة الى مسارح الجرائم التي تقترف في لبنان؟

 

البيت مسرح الجريمة الأوّل

 

اكثر ما يقلق باميلا هو عدم إقرار قانون إدارة مسارح الجرائم في لبنان. وبالتالي، حين تحدث جريمة يدخل الجميع الى مسرحها لمتابعة ما يحصل عن كثب. يأتون «للتفرج». وهذا ممنوع عالمياً كي لا يتّسخ المكان قبل مسح كل الأدلة. وتقول «لم أعرف كيف تمّ التعامل مع مسرح جريمة أنصار، كوني لم أكن موجودة ولم تنقل التلفزة ذلك، من مسرح الجريمة، غير أن ما حصل في منزل القتيلات، من دخول من يشاء والعبث في المكان، غير مقبول. لأنه كان يفترض تطويق كل الأمكنة التي تعتبر مسارح للجريمة. والمنزل الذي ما زال يضم آخر بصمات من وجدوا في المنزل يوم اختفاء الفتيات الثلاث ووالدتهن يعتبر مسرح الجريمة الأول. أما المغارة التي وجدن فيها مقتولات فهي مسرح آخر للجريمة. وهناك أيضاً مسرح منزل القاتل الذي يفترض أن يقفل 48 ساعة على الأقل في سبيل أخذ كل البصمات الموجودة مع أخذ أقوال كل الشهود». أمر آخر تلفت إليه الإختصاصية في علم الجريمة وهو «مراقبة كل مسارح الجريمة كون القاتل غالباً ما يعود إليها، خصوصاً بعد تطويق الأمكنة، وهذا ما يتجاهله كثيرون غالباً».

 

سؤالٌ يُطرح، لماذا يقع القتلة في فخّ «العودة الى مكان الجريمة على الرغم من معرفتهم بمقولة «دائما ما يعود المجرم الى مسرح الجريمة»؟ تجيب «لأن غالبية الذين يقترفون الجرائم الشنيعة لديهم شخصية psychopath (أي الإضطراب في الشخصية الذي يتسم في السلوك المعادي للمجتمع وضعف التعاطف والميل الى العنف والأنانية). هؤلاء يعودون «ليتلذذوا» بما فعلوه. يريدون ان يتذكروا المشهد ميدانياً وأن يشعروا بتفاصيله. حاجة هؤلاء، الذين يعانون غالباً من نقص عاطفي، الى استعادة الإحساس نفسه الذي سرى في داخلهم لحظة الجريمة يجعلهم يعودون الى مسرحها. هذا هو السبب الأول. أما السبب الثاني، فهؤلاء يعتقدون أن وجودهم في مسرح الجريمة يُبعد عنهم الشبهة. يُحاولون تضليل العدالة بوجودهم في مسرح الجريمة. كما يحاولون أن يقتربوا من رجال الأمن وإعطاء معلومات غير صحيحة».

 

يظن القتلة أنهم أذكياء لكن الحقيقة أن «العدالة» تكون أحياناً غبية.

 

علامات وسلوكيات

 

فلنعد الى الإختصاصية في علم الجريمة لسؤالها عن شخصية القاتل الذي يسفك الدماء بلا رحمة؟ تجيب «من الدراسات التي أجريناها تبيّن لنا ان كثيراً من الجرائم ترتكب لأسباب عاطفية. وفي أثناء التحقيقات يتضح هوس كثيرين من القتلة، بجسد ما او ربما بخصلة شعر او حتى بأصابع قدمي من يُنفذون بها / به حكم الإعدام الخاص بهم. وتستطرد بالقول: يُعتمد في علم الجريمة أسلوب التنميط (profiling)، أي إستخدام الصفات الشخصية أو الأنماط السلوكية، للقاتل. لنأخذ القاتل من التابعية السورية حسن الغناج الذي قيل أنه شريك القاتل اللبناني في جريمة أنصار. في الشكل، يملك سمات غير طبيعية بينها الكحل الظاهر في عينيه وشعره الطويل ونحافته الشديدة والأوشام في كل جسمه. كلها مؤشرات الى اضطرابات لديه. أما في العموم، فيقال في علم الجريمة ان بعض السمات عند الإنسان قد تؤشر الى امكانية قيامه ببعض السلوكيات الخطيرة بينها الأذن الطويلة والفك العريض والجبين الواسع. هذا ليس معناه طبعاً أن كل من لديهم تلك الصفات مجرمون وأن الآخرين لا. لكن، هذا ما يرد في علم الجريمة». الجرائم تزيد وتتمدد مثل الفطر. في أرقام الدولية للمعلومات، سرقة السيارات زادت في مقارنة بين كانون الثاني وشباط 2018 وكانون الثاني وشباط 2022 أكثر من 82 في المئة والسرقات زادت 35،65 في المئة والخطف لقاء فدية ازداد من 4 حالات الى 16 حالة. هنا نذكر ما قالته باميلا حنينه بو غصن: ليست كل الجرائم يتم التبليغ عنها.

 

غادرت وعادت

 

في كل حال، هناك من ردد في الايام القليلة الماضية «إنتبهوا على ولادكن». فأرقام الأطفال الذين يختفون الى ارتفاع. نسأل عن الحقيقة في الموضوع فنعود «الى فتيات خرجن ولم يرجعن». عددهن يزيد جداً لكن مصدراً في الأمن العام الداخلي يكرر: «هؤلاء يهربن طوعاً وثلاثة أرباعهن يرجعن». مهما يكن فما نقرأه يُشكل ظاهرة.

 

أمرٌ آخر بمثابة جريمة فظيعة وهو قيام أهالٍ ببيع أطفالهم. في 17 آذار الجاري تم توقيف والدين سوريين، أقدما على بيع طفلتهما مقابل ما مجموعه 12 مليون ليرة على دفعتين، مع تسديد كلفة الولادة في المستشفى. أمر آخر فظيع.

هنا، يميز مرجع أمني في ملف بيع الأطفال بين من يملكون الخبرة في ذلك ويشكلون شبكات وبين من يفعلون ذلك لسداد إيجار البيت وتوفير الطعام. فمن يقبلون بالليرة اللبنانية هم يضطرون الى ذاك الفعل في حين من يتقاضون مبالغ مرتفعة، بالدولار، فهم الأكثر خطراً. نعود الى الإختصاصية في علم الجريمة لسؤالها عن النظام العقابي الذي يفترض ان يطبق: فهل الإعدام، الذي يطالب به أهالي أنصار، يُشكل رادعا للآخرين؟ تجيب «قد تعتمد هذه العقوبة من أجل التخفيف من الإحتقان لكن، لم تثبت أي دراسة أن تلك العقوبة شكلت رادعاً إجتماعياً. فمن يريد إرتكاب الجرم سيفعل. وتستطرد بالقول: يذهب بعض المجرمين أنفسهم، من أمثال مرتكبي جريمة أنصار، الى الإعدام بنظرات بلا إحساس، بعكس من يرتكبون جرائم ثأرية. هؤلاء يشعرون غالباً بالندم».

 

قبل أن نختم، جريمة مروعة حصلت للتو (البارحة بعد الظهر) في النبطية. رضيع رمي من علوّ ونهش حيوان جسده. فهل هناك ما هو أقسى؟