لا يحتاج النظام السوري إلى أدلة وإثباتات لكي يقتنع العالم بإجرامه وممارساته القمعية، وارتكابه لسلسلة من «هولوكوست» العصر الحديث بحق شعبه، بدءاً بقصفه المدنيين بالسلاح الكيماوي مروراً بهدم المناطق والبلدات الرافضة للإستسلام فوق رؤوس أهلها، وصولاً إلى الجرائم المتعددة والمتنوعة التي يجري اكتشافها تباعاً داخل سجونه ومعتقلاته وآخرها التقرير الأميركي الذي تم الكشف من خلاله عن محرقة لجثث آلاف المواطنين الأبرياء في سجن صيدنايا في شمال دمشق، وذلك بهدف التغطية على حجم جرائمه.
كان لافتاً التقرير الذي نشرته الولايات المتحدة الأميركية أمس الأوّل، والذي اتهمت فيه النظام السوري بإقامة «محرقة للجثث» للتخلص من رفات آلاف المعتقلين الذين تمّت تصفيتهم في السنوات الاخيرة، قرب سجن عسكري كبير خارج العاصمة دمشق، معروف بسجن صيدنايا. والفظاعة في هذا السجن، تمثّلت بالصور التي تم عرضها أمام الصحافيين، والتي تُظهر ثلوجاً تذوب على جزء من سطح السجن، وهو ما قد يشير إلى الحرارة المنبعثة من داخله. وقد أعاد هذا التقرير إلى الأذهان، تقريراً مُرفقاً بصور أيضاً، كانت نشرته وكالة العفو الدولية في شباط الماضي يتهم النظام بإعدام 13 الف شخص بين عامي 2012 و2015 في السجن نفسه.
لم ينفع نفي وزارة الخارجية السورية وجود «محرقة جثث» في سجن صيدنايا خصوصاً وأن لهذا النظام سوابق في ممارساته الإجرامية، وآخرها مجزرة خان شيخون في مدينة إدلب، والتي راح ضحيتها اكثر من مئة مدني معظمهم من الاطفال والنساء، جرّاء قصفهم بغاز السارين السام. وتُضاف إلى سجل النظام الإجرامي، مجزرة في غوطة دمشق في العام 2013 ذهب ضحيتها أكثر من 1500 شخص وإصابة أكثر من خمسة آلاف آخرين. واللافت في تلك المجزرة غياب أي نقطة دماء وذلك بفعل استخدام النظام المواد الكيماوية. وما زاد من حجم معاناة الشعب السوري، الصمت الدولي المُطبق تجاه جرائم النظام، والذي يتضح مع مرور الوقت، حجم ممارساته الإرهابية وفظاعة إجرامه.
من بين الشهادات التي تطرقت إلى طبيعة سجن صيدنايا، يصف معن دهام المحمد الخضر، وهو ضابط مجند، تفاصيل ما أسماه «السجن الأحمر» والذي قضى فيه عشرة أشهر بتهمة محاولة الإنقلاب على النظام. يقول الخضر «هو مكان تغيب فيه كل حقوق البشر أو حتى المخلوقات الأدنى مرتبة منه. هو المكان الذي يمارس فيه النظام الأسدي، أبشع وأكره أنواع انتهاك النفس السورية وكرامة الشعب السوري بكل أطيافه وفئاته. هو المكان الذي يفرغ فيه مهووسو النظام الأمني شحناتهم بعيداً عن الإعلام وعن الكذب الذي يحترفه النظام. في ذلك المكان تعرف إن سوريا لم يحكمها منذ 40 سنة نظام أو دولة إنما عصابة طائفية».
«إذا ابتُليتم بالمعاصي فاستتروا»، فما بال الذي يبتلى بالمجازر على أنواعها وتُصبح ركناً أساسيّاً من أركان حُكمه وجزءاً أساسياً من حياته اليومية. ففي العام 2015 رد بشّار الأسد في مقابلة تلفزيونية على سؤال حول الوثائق والصور التي تثبت تورّط نظامه باستخدام التعذيب والقتل على نطاق واسع، بالقول «إن هذا مجرد تشويه لسمعة الحكومة السورية، وليس لديهم أي دليل على من التقط تلك الصور وهوية الضحايا.. وقد بات باستطاعتك اليوم أن تزوّر أي شيء باستخدام الكمبيوتر». ويُتابع قاتل الأطفال والنساء والشيوخ كلامه مُتطرقاً إلى أمنياته في هذه الدنيا «ما أتمناه هو أن يُقال ذات يوم، إن هذا هو الشخص الذي أنقذ بلده من الإرهابيين ومن التدخل الأجنبي. هذا ما أتمناه».
هذا «المُنقذ» من التدخل «التكفيري» و«الأجنبي»، بدأ خلال الساعات الماضية، بتثبيت مخطط إفراغ العاصمة دمشق من سكانها وضمها إلى المشروع الفارسي المعقود على تقسيم المدن السورية مذهبيّاً والذي كان بدأه «حزب الله» في المناطق الحدودية من خلال بسط سيطرته على طول الحدود الممتدة على خط مدينة القصير السورية في ريف حمص مروراً بجوسية وصولاً إلى القلمون والزبداني في ريف دمشق، وهو ما أثار يومها قلق أهالي هذه المدن بعد تهجيرهم إمّا باتجاه العاصمة دمشق وإما بإتجاه لبنان.
ولاحقاً استكمل هذا المخطط في «الزبداني» و«مضايا» ثم في «الفوعة» و«كفرية» بتسهيل واضح من النظام الذي يبدو أنه مكمل على النهج نفسه اليوم في حي القابون في شمال شرق دمشق، حيث جرى أمس ترحيل الأهالي منه ضمن صفقة الهدف منها تثبيت عملية «الترانسفير» في كل أنحاء سوريا. والجدير ذكره، أن إتفاق القابون يأتي بعد اتفاق مشابه لإخلاء مناطق مجاورة في حيي برزة وتشرين الدمشقيين اللذين كانت تسيطر عليهما الفصائل المقاتلة منذ عام 2012.
إجرام بشّار الأسد، متوارث عن والده الذي كان ارتكب في عهده أفظع مجزرة بتاريخ سوريا في مدينة حماة والتي راح ضحيتها أكثر من 60 الفاً، عن طريق الاعدامات الجماعية، أو الذبح بالسكاكين، عدا عن إعتقال الآلاف من أبنائها. وأمام هذا الواقع وعلى أبواب المؤتمرات المُتعلقة بمستقبل سوريا والتي تُعقد بين الدول، يتأكد كل يوم بأن نظام الأسد لا يُمكن أن يكون جزءاً من الحل في سوريا خصوصاً وأنه قد امتهن قتل الأطفال والنساء والشيوخ منذ ست سنوات، وإلى اليوم ما زال يسير على النهج نفسه حيث يقوم بتوزيع جرائمه بالتوازي، بين حلب وإدلب وحماة والغوطة، لكن الأبرز، يكمن في السؤال عن الدور الذي يقوم به حلفاؤه وتحديداً «حزب الله» في هذه الحرب وهو الذي يُفترض أنه عانى من الأمر نفسه في زمن الاحتلال الإسرائيلي لجنوب لبنان، مع العلم أن صمته يحوّله إلى شريك سواء أكان داعماً أو مؤيّداً لهذه الجرائم.. أو ساكتاً عنها.