Site icon IMLebanon

الأزمة تتفاقم: الحلّ سياسي… والضحايا بالصف!

 

قلائل أولئك الذين يعترفون بحجم وأسباب الأزمة النقدية والمالية التي يعيشها لبنان، وتكاد تقضي على ما تبقّى من ثقة بالقطاع المصرفي ومظاهر الدولة ومؤسساتها المالية. وبعدما ثبت أنّ تبادل الاتهامات ما زال اسلوباً عقيماً لا يؤدي الى المخرج، فلماذا لا يعترف المسؤولون بحقائقها توصّلاً الى اعتبار انّ اللبنانيين ومعهم الحكومة والمؤسسات من ضحاياها، وانّ الحلّ سياسي. فهل دون ذلك عقبات وما هي؟

في كواليس الخلوات وورش العمل الإستثنائية المتخصصة التي عقدتها المؤسسات الإستشارية ومراكز الدراسات التي تبحث عن مخارج وحلول فذة لما يعيشه لبنان، بما فيها تلك التي موّلتها مؤسسات لبنانية ودولية كبرى، كلام كثير لم يصدر بعد الى العلن. ومردّ ذلك، الى ما يمكن أن يحدثه – في هذه المرحلة بالذات – من ردات الفعل التي يمكن ان يقود اليها الكشف عن بعض من الحقائق المدوية.

 

وعلى رغم هذه المخاوف، فإن هناك ما يؤكد أن عدداً مما تم التوصل اليه من حلول قابلة للتطبيق سيسلك طريقه، ولو بالتقسيط وبوسائل وطرق مختلفة في وقت لن يكون طويلاً. فالتوقعات بما هو آت من مصاعب قد يسمح بمزيد من الصراحة المفقودة أيّاً كانت الأضرار والإصابات التي ستلحق ببعض المسؤولين والتي قد تصيب من البعض مقتلاً. وخصوصاً اذا بلغت مساعي البحث عن المال المفقود والمنهوب ولمجرّد الدعوة الى الحد من الشهوة الى المال العام ووقف استغلال المواقع والمؤسسات في ظل الشعارات الفارغة التي لم تطعم جائعاً، تمهيداً لاستعادة التوازن المفقود في كثير من المعادلات التي اصابها الخلل على اكثر من مستوى سياسي واقتصادي ونقدي ووطني.

 

ففي المعلومات المتداولة على نطاق ضيق، وفي كواليس بعض المناقشات الجارية حديث صريح عن الظروف التي دفعت الى تقنين التعاطي بالعملات الأجنبية بين ليلة وضحاها وفي فترة قياسية من دون اي مقدمات رغم التحذيرات التي اطلقت في السنوات الأخيرة من مخاطر السياسات المالية التي كانت سبيلاً الى استغلال البعض لنتائجها وتحويرها الى مكان ما لا يريده متخذوها ولم تكن الهدف المقصود.

 

فعلى سبيل المثال لا الحصر، عندما قيل لأحد المصرفيين الكبار لماذا استمرّت المصارف اللبنانية في سياسة الاستدانة التي اعتمدتها الحكومة وبفوائد عالية لاستثمار الأموال في اقتصاد ريعي لا يعطي للانتاج اي أولويات، فذهبت الى إدارة كلفة تشغيل الدولة والرواتب والأجور وبالكاد بقي منها قسم لخدمة الدين العام، فيأتيك الجواب في خفر بـ”انه لم يكن هناك بد من هذه السياسة التي فرضتها الدولة علينا، ولو لم نقم بما قمنا به هل يدرك احد اين كنا قبل اليوم، فبالتأكيد كان الوضع أسوأ بكثير ومنذ سنوات عدة”.

 

ولما قيل له ألم يخطر ببالكم ان هذه الديون تذهب الى حيث لا استثمارات ولا عائدات توفر للدولة المدينة القدرة على ايفائها الى أن بلغنا مرحلة القصور حتى عن تأمين خدمة الفوائد العائدة إليها، فيجيبك في خفر ايضاً “لم يكن هناك من بد، فقد قدمنا القروض ليس للدولة فحسب بل للقطاع الخاص أيضاً، وفي ميادين عدّة”. ويضيف: “وان كان استرداد بعضها مضموناً في ظل الدورة الإقتصادية الطبيعية التي كانت تشهدها البلاد لبقي الدين الموضوع في عهدة الدولة الهم الاكبر”. وعن السبب، قال: “كل التحذيرات التي اطلقت من اجل ترشيد الإدارة ووقف الهدر والتهرب الضريبي ذهبت سدى”. فعندما لم تلجأ الدولة “الى أي من الإصلاحات التي كنا ومعنا المجتمع الدولي والمؤسسات المانحة تطالب بها منذ سنوات كان طبيعياً ان نصل الى ما وصلنا اليه”.

 

ولما قيل لهذا المصرفي ان لبنان تجاوز أزمات مالية واقتصادية عدة وتباهينا بأن الأزمة العالمية التي عصفت بالدول العظمى عام 2008 لم تؤثر على ماليتنا واقتصادنا، لا بل فقد سجلنا عام 2009 اعلى نسبة من النمو، قال: “صحيح لقد تجاوزنا تلك الأزمة بنجاح”. ولكن، و”بكل بساطة علينا النظر الى طريقة مقاربتها عالمياً لتعطينا فكرة عن الظروف والأسباب التي قادت بنا الى حيث نحن اليوم”. فقد “وقفت البنوك المركزية والمصارف الى جانب حكومات بلدانها واغرقت الأسواق بحاجتها من العملات، فإستعادت استقرارها والتوازن المفقود في التوقيت الصحيح، وهو ما لم يحصل عندنا، لا بل فقد هجم اللبنانيون على المصارف يطالبون بأموالهم بنسبة تجاوزت قدراتها على تلبيتها في وقت لم يكن لديها أي سند يقيها شر ما حصل”. وأضاف: “كان على اللبنانيين أن يحافظوا على نسبة عالية من المسؤولية، فلا يطالبون بما يتجاوز حاجتهم من مال فلا يكدسوه في المنازل ولا ينقلونه الى الخارج على رغم من انه ليس أمراً محظوراً او غير قانوني، وان كان يمكن اعتباره غير اخلاقي. فالأموال موجودة وهي موزعة بين عدد من المؤسسات وفي مصرف لبنان والمصارف الوسيطة في العالم التي نتعامل معها دون توفرها نقداً. وهي في النتيجة اموال مصانة ومضمونة ومن يطلب كشف حساب سيجد ان ما لديه من ارصدة متوافر لم يمسه احد”.

 

وتبقى الإشارة مهمة الى ان بعض النظريات يقود الى وضع الحكومة الجديدة ومعها المؤسسات الى جانب جميع اصحاب الودائع المقيمين وغير المقيمين في لبنان في سلة واحدة هي سلة “المهزومين والضحايا” في آن. ومن لم يصدق عليه العودة الى ما أسرّ به احد اعضاء الوفود المالية الذي زار المراجع المالية الكبرى في الأشهر القليلة الماضية عندما سمع كلاماً يتصل “بالمحور الذي انتسب اليه لبنان أخيراً” حكومة وسلطة، والذي أدّى الى تخريب كل ما بني من علاقات مع الدول الخليجية والمؤسسات المانحة التي حجبت اموالها عن لبنان واللبنانيين وربطت ما يمكن ان تقدمه من عون بسلة من الإصلاحات المطلوبة. سواء تلك التي تعزّز سياسة “النأي بالنفس” عن كل ما يجري في المنطقة والعالم ووقف التدخلات الخارجية في شؤون الدول الأخرى، عدا عن تلك التي تؤدي الى مكافحة الفساد.

 

ولم ينسَ من اسر بهذه المعادلة ان جوابه كان واضحاً، فلبنان لا يحتمل حرباً اهلية لمعالجة أزمة اقليمية تتجاوز قدراته أيّاً كانت كلفتها. وما لم يبادر اللبنانيون الى انقاذ انفسهم لن يجدوا من يمد لهم يد العون . فالحل في النتيجة رهن إشارتين: اولاهما استعادة الثقة بالدولة ومؤسساتها، وثانيهما سياسي وليس مالياً ولا نقدياً فهل هناك من يتّعظ ويتعلم؟ وهل هناك من هو قادر على هذه المواجهة وقيادة مرحلة التحدي؟