في نهاية المطاف، سيكون للأرقام والوقائع الدور الحاسم في تحديد الخيارات والقرارات. وهذا ينطبق على الدول العظمى في العالم، وكذلك على الدول العظمى الاقليمية… ذلك أن الأرقام والوقائع، عندما تُقاس بالعقل والمنطق – بالاختيار أو بالاجبار – ستقود الى اتباع سياسات واقعية، مهما بلغت درجة مذاقها من المرارة. وهذا ما فعلته الولايات المتحدة الأميركية مراراً سابقاً، وحالياً في ظل ادارة الرئيس باراك أوباما. وعندما أظهرت الأرقام فداحة الخسائر البشرية والمادية والمعنوية والسياسية، بسبب القرارات النزقة لسلفه الرئيس جورج دبليو بوش حوّل أوباما الاتجاه والمسار، ليس فقط بسحب الجيوش الغازية من أفغانستان والعراق وحسب، وانما بالامتناع أيضاً عن خوض مغامرات عسكرية جديدة.
***
على الرغم من المشهد السوداوي البانورامي في المنطقة، ولا سيما في العالمين العربي والاسلامي، فإن الأرقام والوقائع ستضغط على أصحاب القرار في الدول المعنية، لاعادة النظر بالسياسات الراهنة وبالحروب العبثية السائدة التي تلتهم الموارد بشراهة أسطورية، وبالعمل على وقف الخراب الزاحف في كل اتجاه ليطال الجميع، بما في ذلك الدول التي كانت تتوهم أنها تقود اللعبة وأنها ستكون بمنأى عن كوارثها! واذا كانت الحروب قد استنزفت الاقتصاد والقدرات المالية للدولة الأعظم في العالم مثل أميركا وهي المهيمنة بعملتها على العالم، فكيف بالدول الأخرى متوسطة أو صغيرة الحجم، مهما بلغت من الثروات والموارد الطبيعية!
***
الدول الاقليمية المتناطحة في المنطقة منذ سنوات، بلغت اليوم الحد الأقصى من طاقة التحمل، ولدى كل منها عارض صحي يضغط على قدراتها بالاستمرار في النهج ذاته: تركيا تضخمت لديها الأورام الكردية بعد انهيار مشروعها العثماني. واسرائيل بدأت تنزف بعد هبّة السكاكين الفلسطينية. وايران لم تبدأ بعد مرحلة التعافي من عقود الحصار الدولي وآثاره. والدول النفطية العربية واقعة بين شاقوفين: انفاق بأرقام فلكية على الحروب وشح متعاظم في مواردها الأساسية من النفظ وأسعاره المتدهورة بتسارع. مما يوحي بأن الأزمة السعودية – الايرانية بلغت هذا السقف ولن تتخطاه، وكما في الحياة كذلك في السياسة… فبعد كل خصام لا يوجد سوى الوصال! –