Site icon IMLebanon

الأزمة في لبنان داخلية، داخلية – إقليمية – دولية

 

الأزمة اللبنانية مستفحلة وباتتْ تشكّلْ خطراً على الأمن والاستقرار الداخلي اللبناني وعلى السلم الإقليمي – الدولي، وأغلبية الدلائل والنتائج المستقاة من الحروب التي عصفت بالوطن تُشير إلى أرجحيةّ السيادة الوطنية تُنتهك من قبل المراجع الرسمية اللبنانية على مدى سنوات الإستقلال. ومع ذلك الأمر لم يقتصر تفاقم الحرب بأزماتها المتشعبة على تهديد إستمرارية السلطات المتعاقبة منذ الإستقلال ولغاية تاريخه، بل وصل الأمـر في أكثر من مرحلة خصوصاً مع تدخّل العوامل الخارجية وتموضعها على الداخل اللبناني إلى طرح سؤال ليس فقط عن مصير الجمهورية وسيادتها إنما عن مصير الشعب اللبناني المتناحر فيما بعض مكوناته المذهبية، وبات الأمر يهدّد الجمهورية وسيادتها ونظامها المتعارف عليه بـ«النظام الديمقراطي».

لنكن صريحين وإذا أردنا الغوص في البحث الأكاديمي البحت، هناك عوامل نقص متعددة في الحياة السياسية اللبنانية وهناك العديد من العوامل التي تُعثِّـر سير العمل السياسي – الديمقراطي الطبيعي والتي تدفع بالحياة السياسية اللبنانية إلى طريق مسدود وقادت إلى إنفجار الوضع الأمني حالياً في كل لبنان والتي تهدّد على ما هو ظاهــر بمصير الجمهورية وبإعادة رسم خريطتها لناحية السيادة وشكل النظام.

 

عوامل إقليمية توّسعية، طائفية لبنانية داخلية، إغفال تطبيق الدستور اللبناني، ضرب صيغة النظام الديمقراطي، ظاهرة الميليشيات والسلاح المتفلِّتْ، إضعاف قدرات الجيش اللبناني، إضافة إلى عدم الولاء للجمهورية ولقوانينها أي الولاء جهراً للغريب، كما يجب التركيز على عوامل داخلية لبنانية متباينة من إجتماعية – فكرية – ثقافية – إجتماعية – تربوية إلى العاملين الإيراني والغربي اللذين يتصارعان على أرض لبنان. إنّ الحرب التي إندلعتْ مؤخراً على الأرض اللبنانية تتخـذ طابعاً همجياً وبتخطيط من بعض المستفيدين وفي بعض مراحلها الراهنة تبيّن جليّاً أنّ هذه المجموعة التي راهنت على إنتصار مزيّف تدفع ثمناً باهظاً من كادراتها وحضورها.

إنّ النظام بمن حضر في هذه المرحلة والمجموعات المعارضة هما طبقة مفلِّسة ومفكّكة ومسؤولة عن إنفجار الأوضاع العامة في البلاد، وأظهرتا إفلاسهما وإنقسامهما على كافة المستويات سواء داخل الحكومة أو في الشارع خصوصاً في هذه الأوقات العصيبة. عملياً كمركز أبحاث PEAC وبعد أنْ أُجْرِيَتْ أكثر من دراسة تبيّن أنّ من هم في سدّة «شبه المسؤولية» هم مجموعات من شتات شخصيات وآراء متناقضة مختلفة لا يؤلف بينهم أي مبدأ وطني أو خط سياسي موضوعي واضح بل بسيط الإستياء من تصرف «الميليشيا» والنظام، وبالتالي من الطبيعي أن يتعرّض منحى هذه المجموعات المتناحرة إلى تحقيق رغبات فردية أو مصالح خاصة بما فيها الأخذ بعين الإعتبار مصلحة الراعي الإقليمي القابض على السيادة الوطنية.

 

من المؤسف أن نلاحظ أنّ بعض مُدّعي السيادية في الجمهورية اللبنانية تسودهم صفة الإنتهازية والمغالاة من خلال تبنّي مطالب ليست بمطالبهم وبعيدة كل البُعْد عن أهدافهم والتشدّد في الدفاع عنها ووجوب تحقيقها ويتناسى بعضهم أنه في المرحلة السابقة كان الحجر الأساس في تسوية قضت على ما تبّقى من سيادة وطنية… وهكذا إنتصر لمطالبه الخاصة بعقد شراكة كُتِبَ عليه «سرّي للغاية» وحقق مصالح تناسبه شكلاً ومضموناً حيث صدقت المقولة «ذاب الثلج وبان المرج». وكان لهذه الإنتهازية وهذا التكتيك المرحلي المتسرّع تأثير بالغ على بنيتها وإبقائها متحللّة الروابط.

فعلياً وعملياً ومن دون إنتقاد تتمزّق ادّعاءات الحفاظ على السيادة الوطنية التي يُنادون بها، وتسقط لهجة الإثارة في مجالات الغبن والمشاركة المتكافئة (حقوق المسيحيين) في الحكم التي أطلقها بعض قادة الرأي، حيث أسفر أدائهم عن خرق متزايد للسيادة الوطنية… إنّ الخوف اليوم مع هذه الطبقة السياسية أن تتِّمْ خسارة «الصيغة» التي هي سائدة بـ«الحلاش» وتعميق المشاكل التي يُعاني منها الوطن… للحقيقة هناك مشكلة كبيرة تنمّ عن إفلاس حكومة تصريف الأعمال والمجلس النيابي الحالي الفاقد للشرعية التمثيلية وما يُعرف بـ«المعارضة»، فعلاً إنه إفلاس سياسي وطني ساهمت في التمهيد له وتعميقه وإطالة أمده هذه الطبقة السياسية التي تدّعي التقيّة في السياسة وفي المحافظة على الدولة ومؤسساتها وتحاول إبتكار حلول معينة في هذه المرحلة الراهنة وهي تتناسى أنها طبقة فاسدة مُفسدة، لا قدرة لها على إنتاج سلطة لأنها تفتقر للمصداقية وللنبل الأخلاقي ولحرية العمل السياسي وعذراً لهذه التوصيفات، فالأمـر الواقع يُلزم قول الحقيقة على قدر صعوبتها.

الواقع الحالي يرفض إستمرارية التقاعس والسلبية وإتخاذ القرارات المستهجنة والمتناقضة ومرفوضة بعض الاقتراحات التي ما هي إلّا في معظمها مجرد عناوين ومبادئ عامة أو اقتراحات جزئية لا تتناول سوى مواضع هامشية وفي أغلبيتها لم تأتِ على شكل مشروع كامل يغطي كل الجوانب السياسية للأزمة في لبنان.

إنّ الواقع على الأرض بحاجة لقراءة واقعية، والمعطيات القائمة حالياً على المستوى المحلي – الإقليمي – الدولي تغيّرتْ والإستراتيجيات تبدّلتْ أو ستتبدّل، وهناك على ما يبدو عصر جديد من الشؤون الدولية قوامه دول فاعلة على المسرح السياسي الدولي ويُذكر على سبيل المثل لا الحصر: الولايات المتحدة الأميركية – روسيا – أوروبا – الصين – كوريا إضافة إلى عامل إقليمي مكوّن من: الدول العربية إضافة إلى دور الجمهورية الإسلامية الإيرانية الذي سيُعيد تموضعه كما هو ظاهر. المطلوب اليوم من قادة الرأي العام الذي لم تتلوّث يداه في مؤامرة ضرب مقومات السيادة الوطنية وإنتهاك الأصول السياسية الديمقراطية إلى إثبات وجوده ونفوذه بقوة والسعي من أجل إثبات الذات على المستوى اللبناني والإقليمي والدولي ما يعني أن بإستطاعته إستلام دفة الحكم والبدء بإصلاح ما تمّ تهديمه، كي لا تبقى الأزمة اللبنانية بين محاور داخلية وإقليمية ودولية.