IMLebanon

ازمة التبادل الديبلوماسي بين لبنان والسعودية على طريق الحل

يبدو أنّ أزمة التبادل الديبلوماسي الحاصلة للمرة الأولى في تاريخ العلاقات اللبنانية- السعودية والتي يتمّ التداول بها أخيراً وتأخذ أبعاداً سياسية كثيرة، وصلت الى خواتيمها وهي على طريق الحلّ.. فالردّ من قبل السعودية على تعيين لبنان للسفير فوزي كبّارة من خارج الملاك والمحسوب على «تيّار المستقبل»، والذي طال لخمسة أشهر تحديداً سيكون إيجابياً، على ما كشفت أوساط ديبلوماسية لبنانية، وسيأتي قريباً. وما يحصل الآن وضعته في خانة «الإجراءات الروتينية» التي ستنتهي باعتماد كبّارة سفيراً للبنان لدى المملكة.

ولم تشأ التطرّق الى أسباب عدم الردّ السعودي طوال الخمسة أشهر الفائتة على إقرار التعيينات الديبلوماسية، لا سيما وأنّها تجاوزت فترة الثلاثة أشهر المعتمدة عادة بحسب الأعراف للحصول على موافقة أي دولة على تعيين سفير لديها. غير أنّ المعلومات أفادت أنّ السعودية كانت خلالها بصدد إعادة حساباتها لجهة اعتماد رئيس الحكومة سعد الحريري كممثل أول لها في لبنان أم استبداله بسنّي آخر يتمتّع بشعبية واسعة سيما وأنّه سمّى كبّارة شخصياً لهذا المنصب. ولهذا أخذت المملكة وقتها في الردّ على المذكرة اللبنانية بشأن كبّارة، ليس من باب التجاهل إنّما لانتظار ما سوف تقرّره بشأن وضعها في لبنان.

فالأزمة التي بدأتها السعودية مع الحريري واستكملتها باستدعائه وإجباره على إعلان استقالته من الرياض كصكّ رسمي بأنّه «إبنها المطيع» يُقدّمه ليس فقط للداخل اللبناني بما فيه «حزب الله» بل لإيران التي تتنازع معها على السيطرة على دول المنطقة، كما لسائر دول العالم، ثمّ أرغمت بفعل الضغط الدولي على إطلاق سراحه، فغادر الى فرنسا وعاد الى بيروت فتريّث عن الإستقالة ثمّ رجع عنها، على ما ذكرت الاوساط، ربطتها المملكة أخيراً بموقف لبنان الديبلوماسي الخارجي الذي أعلم دول العالم أنّ «رئيس حكومته محتجز من قبل السعودية، وأنّه يعتبر هذا الأمر عملاً عدائياً تجاهه». ولهذا بدت وكأنّها تُفكّر مئات المرّات قبل اعتماد سفير من قبل لبنان لديها، انطلاقاً من خوفها من المرحلة القادمة خصوصاً بعد المحاولة الفاشلة والمتسرّعة التي قام بها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان وجعل المملكة معه تقفز في المجهول في نظر الدول الكبرى ولا سيما منها تلك التي تسعى لتحجيم إيران و«حزب الله» ودورهما في المنطقة.

أمّا بالنسبة للبنان الذي غالباً ما يُعامل الدول بالمثل، فقد قبل تعيين السفير السعودي وليد اليعقوبي لديها، على ما أضافت الاوساط،، خلافاً للسعودية التي لم تعطِ أي ردّ لا بالرفض ولا بالقبول، ولم تذكر لا سبب هذا ولا ذاك. وعلى هذا الأساس فهو يقوم اليوم بما تحتّمه عليه الأصول الديبلوماسية، وهو يعتمد المسار الديبلوماسي لجهة اعتماد اليعقوبي. وطمأنت الاوساط بأنّه سيُصار الى تحديد موعد له من قبل وزارة الخارجية والمغتربين لتقديم أوراق اعتماده الديبلوماسية، من دون ذكر تاريخ ذلك. ويُرجّح أن يجري تحديد هذا الموعد بعد انقضاء فترة الأعياد المجيدة أي في غضون 15 يوماً.

فتعليق تعيين السفير كبّارة من قبل المملكة لن يحلّ نزاعها مع إيران حول بسط سيطرتها على دول المنطقة، على ما لفتت الاوساط، وهذا ما تدركه تماماً. وما يتردّد الى مسامع لبنان بهذا الصدد إيجابي لجهة قبولها بتعيين السفير اللبناني لديها الذي ليس لديها أي مأخذ على شخصه بل على انتمائه السياسي. وما دامت العلاقات بينها وبين الحريري مرجّحة لأنّ تعود الى ما كانت عليه في السابق، رغم الإنفتاح الذي يُظهره على «حزب الله» كونه مكوّن سياسي شريك في البلاد، حتى وإن كان يملك وإيّاه وجهات نظر مختلفة لا بل متناقضة، فإنّ قبولها باعتماد السفير كبّارة سيكون أمراً حتمياً.

كما أنّ لبنان، من جهته، يريد أن تكون علاقته مع السعودية جيّدة وإيجابية دائمة، وهو يلتزم بهذا الأمر على الأصعدة كافة. فثمّة 250 الى 300 ألف لبناني يقيمون ويعملون في المملكة في شركات لبنانية في قطاعات الصناعة والمقولات والسياحة وغيرها، وفي شركات سعودية لبنانية باستثمارات مشتركة، تعمل الدولة اللبنانية على الحفاظ على موقعهم ودورهم الرائد حيث هم، ولا تنوي السعودية بالتالي ترحيلهم لما قد يتسبّب ذلك من خسارة لها أيضاً. كما أنّ الروابط التاريخية بين البلدين شعباً وحكومة، فضلاً عن المصالح الإقتصادية وعمليات التبادل التجاري والاستثمارات المشتركة في كلا البلدين، تجعل البلدان يتمسّكان بأفضل العلاقات بينهما.

أمّا فيما يتعلّق بالرعايا السعوديين الذين دعتهم السلطات السعودية لمغادرة لبنان خلال أزمة استقالة الحريري المفتعلة، فلم يتجاوز عددهم الـ 60 شخصاً وغالبيتهم من الطلاب، على ما ذكرت المعلومات، رغم أنّ عدد السعوديين في لبنان يتخطّى الألف شخص. ومن المرجّح أن يكون بعضهم قد عاد مجدّداً الى لبنان بعد انتهاء الأزمة، سيما وأنّ العدد الأكبر من الطلاب السعوديين يحمل الجنسيتين السعودية واللبنانية.

ورأت الأوساط نفسها أنّه بمجرد أن تقرّر المملكة تعيين سفير لها في لبنان هو وليد اليعقوبي الذي أرسلت أوراق اعتماد الى وزارة الخارجية، وإن كانت لا تزال «تُعلّق» اعتماد كبّارة لديها، فهو دليل واضح على تمسّكها بلبنان وبالعلاقات الديبلوماسية والسياسية معه. كما يعني بالتالي عدم تركها الساحة فارغة أمام دول إقليمية أخرى، بحسب وجهة نظرها. وقد اختارت المملكة اليعقوبي لمعرفته بالشؤون الداخلية اللبنانية كونه عمل سابقاً بصفته الديبلوماسية في السفارة السعودية في بيروت.

 

أمّا كبّارة الذي ينتظر موافقة السلطات السعودية على اعتماده لديها، فيستقرّ حالياً في لبنان، لكنّه جاهز لحزم حقائبه والمغادرة لاستلام منصبه فور موافقتها على أوراق اعتماده. وهذا الأمر سيحصل قريباً، على ما شدّدت الاوساط، إذ ليس من مصلحة البلدين إبقاء موضوع التبادل الديبلوماسي معلّقاً لوقت أطول.