Site icon IMLebanon

سجال أزمة المرسوم وتحديات المرسوم للبنان

 

كان جيمس ماديسون يقول انه لا حاجة الى مطالبة القادة والمواطنين بأن يكونوا ملائكة. الحاجة هي الى شيء واحد: المؤسسات. وكان فريدريك انغلز يرى ان البديل من أفكار سان سيمون حول حكومة الأشخاص هو ادارة الأشياء. وهذا ما نفتقد اليه في عملية الأخذ والرد على قرار اداري صار عنوان أزمة سياسية. فالجدل الدائر حول مرسوم دورة ١٩٩٤ يكاد يحجب رؤية المرسوم للبنان في حروب المنطقة الحارة والباردة والصراع الجيوسياسي بين المحاور على اعادة تشكيل الشرق الأوسط. وليس أمرا عاديا أن يتولى رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس المجلس النيابي نبيه بري شخصيا السجال عبر وسائل الاعلام ويشارك فيه وزراء ونواب.

ذلك ان أزمة الخلاف على المرسوم تعيد التذكير بالأزمة الأصلية العميقة التي تتبدّل فصولها وتتغيّر الأدوار والمواقع والوجوه فيها، وهي ثابتة في تركيبة لبنان: أزمة النظام المزمنة العصيّة على الاصلاح والثورات والحروب والتي نحاول نسيانها حين نصل الى تسوية موقتة لأزمة حكم أو أزمة حكومة. وأقصى ما نفعله هو التكيّف معها والتصرّف كأن المشكلة هي الحلّ على أساس الحكمة التقليدية القائلة: الأزمة التي لا حلّ لها ليست أزمة.

ولا أحد يجهل ان كل أزمة في الأنظمة الديمقراطية لها حلول أو مخارج من خلال المؤسسات والعمل عبر الأقنية الدستورية. أما في لبنان، فان أي أزمة تؤدي الى شلّ المؤسسات أو أقله الى محاولة تسويتها بالوساطات. والسؤال البسيط، وسط قول الرئيس عون ان المرسوم دستوري قانوني أعاد نصف الحق الى أصحابه، وقول الرئيس بري انه غير دستوري ولا قانوني ولا ميثاقي، هو: من يحسم الاختلاف في الرأي؟ والجواب المألوف هو: مجلس شورى الدولة.

لكن المسألة ليست تقنية. فالخلاف له طابع سياسي ومن الصعب، برغم النفي وبصرف النظر عن النيّات، تجاهل التفسيرات الطائفية والمذهبية التي تعطى له. ومن الظلم تحميل القضاء مشقّة الحكم في خلاف من هذا النوع بين أركان السلطة. فالمؤسسات في لبنان مجرد هياكل.

وما بناه الرئيس فؤاد شهاب بعد أحداث ١٩٥٨ من مؤسسات تحت شعار الانتقال من استقلال الدولة الى دولة الاستقلال تعرّض للتهميش. وما كان مشروع بناء الدولة لا يزال مشروعا. فالسلطة اختصرت الدولة. وأمراء الطوائف أكلوا السلطة. والاستقلال الصعب عن المحاور الاقليمية والدولية يبدو أصعب من حسابات الطوائف.

 

ومن حسن الحظ ان الاستقرار تحت سقف التساكن مضمون بقوة المصالح الداخلية والخارجية في انتظار أن تتبلور الصورة النهائية لمشهد الصراعات في المنطقة.