لا تبدو في الأفق، حتى الساعة، مؤشرات توحي بإمكانية تجاوز مأزق «مرسوم الأقدمية» الذي فجّر الخلافات بين الرئاستين الأولى والثانية، من دون أن تنجح الجهود التي بُذلت حتى الآن في تضييق الهوة بين رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري، الأمر الذي أدى إلى تصاعد حدة السجالات بينهما، على نحوٍ أثار الكثير من المخاوف على مصير التسوية القائمة، مع حديثٍ يتردد عن أن الخلاف الرئاسي مرشح للاستمرار حتى موعد الانتخابات النيابية في أيار المقبل، مع ما لذلك من تداعيات على الأوضاع الداخلية وعلى عمل المؤسسات وفي المقدمة مجلس الوزراء الذي سيتأثر حكماً بما يُستجد على صعيد تفاقم هذه الخلافات أو انحسارها.
وإذا كان مسعى رئيس الحكومة سعد الحريري قد تراجعت حظوظه كثيراً بشأن المبادرة الجنبلاطية التي نقلها إليه النائب وائل أبو فاعور، بعد نقل جلسة الحكومة اليوم من قصر بعبدا إلى السرايا الحكومية، فإن المعطيات الأولية تشير إلى أن الرئيس عون ليس في وارد القبول بدمج مرسومي الأقدمية والترقيات في مرسومٍ واحد يوقّع عليه وزير المالية علي حسن خليل، كمخرج مقبول اقترحه الرئيس بري للخروج من الأزمة الراهنة، الأمر الذي سيزيد من عمق المشكلة ويجعل الأمور أكثر صعوبةً، في ظل تمسك كل طرف بمواقفه وعدم استعداده للتنازل عنها لمصلحة حل وسط يكون مقبولاً من الفريقين. وبالتالي فإن الأزمة في هذه الحال لا يمكن أن تبقى محصورة في إطار العلاقات بين الرئاستين الأولى والثانية، وإنما ستتعداها إلى العلاقات الرئاسية برمتها، خاصةً وأن ما جرى في جلسة مجلس الوزراء الأخيرة، اعتبرته أوساط سياسية مؤشراً أولياً على مستقبل العلاقة بين الرئاستين الثانية والثالثة، في حال بقيت أزمة المرسوم على حالها ولم يحصل الرئيس بري على ما يريد بتوقيع وزير المال على مرسوم الأقدمية، سيما وأن أوساطاً مقرّبة من الرئاسة الثانية، تعتبر أن توقيع الرئيس الحريري على المرسوم المذكور والذي إن لم يُنشر في الجريدة الرسمية بعد، يحمّله مسؤولية أيضاً إلى جانب رئيس الجمهورية، ما يجعل الأمور مفتوحةً على كل الاحتمالات، في حال لم تنجح المساعي التي تُبذل في أكثر من اتجاه في بلورة تصور مشترك من شأنه نزع فتيل المواجهة القائمة، بهدف التخفيف من أضرارها المحتملة على الأوضاع الداخلية برمتها، في وقت أحوج ما يكون لبنان إلى مزيدٍ من التوافق الداخلي في إطار سياسة النأي بالنفس التي أعلن التزامه بها، لمواجهة الاستحقاقات الكثيرة التي تنتظره، وتحديداً ما يتصل بالانتخابات النيابية التي يشتد الكباش بشأن قانونها العتيد، بين من يريد إدخال تعديلات على بعض بنوده كـ«التيار الوطني الحر» ومن يسانده بهذا الرأي، وبين المعارضين وفي مقدمهم الرئيس بري الذي يرى أن فتح باب التعديلات سيضع الاستحقاق النيابي برمته في مهب الريح، وهذا سيفسح في المجال أمام عدم إجراء الانتخابات في موعدها المحدد، بالتوازي مع ما تم تسريبه من أن هناك محاولات جدية يقف خلفها بعض الأطراف لإعادة إحياء قانون الـ«60» لإجراء الانتخابات على أساسه في الربيع المقبل، على أن يُصار إلى إجراء بعض التعديلات على القانون النسبي الذي تم اعتماده، بموافقة القوى السياسية لكي تجري الانتخابات النيابية المقررة في 2022 على أساسه، وهو الأمر الذي يلاقي اعتراضات واسعة من المكونات السياسية التي تعتبر أنه ما عاد هناك مجال لأي بحث في القانون الأكثري، باعتبار أن هناك الآن قانون النسبية الساري المفعول والذي تشير كل الدلائل إلى أن الانتخابات ستجري على أساسه دون فتح الباب أمام التعديلات التي يطالب بها «التيار الوطني الحر»، بعدما أكد الرئيس بري بأن أبواب المجلس النيابي مقفلة أمام أي تعديل، وكذلك الأمر فإن هناك أطرافاً سياسية أخرى توافق رئيس المجلس الرأي وتعتبر أن الوقت لم يعد يسمح بإدخال تعديلات على القانون النسبي، وأن لا خيار أمام المكونات جميعها إلا الاستعداد لخوض غمار الاستحقاق في شكل ديموقراطي لتعبّر الناس عن رأيها بحرية وتجرّد، سعياً لإيصال ممثليها الحقيقيين إلى الندوة النيابية.